گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد نهم
سورة محمد صَلی اللَّهُ عَلیه و آله..... ص: 288
اشارة







هی مدینۀ کلها إلا آیۀ واحدة قال ابن عباس و قتادة: فالآیۀ الواحدة نزلت حین خرج النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله من مکۀ و جعل ینظر
الآیۀ و هی ثمان و ثلاثون «... وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَۀٍ هِیَ أَشَ دُّ قُوَّةً مِنْ قَرْیَتِکَ الَّتِی أَخْرَجَتْکَ » إلی البیت، و هو یبکی حزناً علیه فنزل قوله
آیۀ فی الکوفی و تسع و ثلاثون فی المدنیین و أربعون فی البصري.
[سورة محمد ( 47 ): الآیات 1 الی 5]..... ص: 288
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَ دُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ( 1) وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلی مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّهِمْ کَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ ( 2) ذلِکَ بِأَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ کَ ذلِکَ
یَضْ رِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ ( 3) فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَ َ ض رْبَ الرِّقابِ حَتَّی إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّی
( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِکَ وَ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لکِنْ لِیَبْلُوَا بَعْضَکُمْ بِبَعْضٍ وَ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ( 4
( سَیَهْدِیهِمْ وَ یُصْلِحُ بالَهُمْ ( 5
ص: 289
خمس آیات کوفی و ست فی ما عداه.
بألف من المفاعلۀ. و « قاتلوا » علی ما لم یسم فاعله بضم القاف و کسر التاء. الباقون « وَ الَّذِینَ قُتِلُوا » قرأ اهل البصرة و حفص عن عاصم
بفتح القاف و تشدید التاء. من قرأ بألف کان أعم فائدة، لأنه یدخل فیه من قتل. و من قرأ بغیر الف لم یدخل فی « قتلوا » قرئ شاذاً
قراءته القاتل الذي لم یقتل و کلاهما لم یضل اللَّه أعمالهم، فهو اکثر فائدة. و من قرأ بغیر الف خص هذه الآیۀ بمن قتل. و قال: علم
أن اللَّه لم یضل اعمال من قاتل بدلیل آخر و لأن من قاتل لم یضل عمله بشرط ألا یحبط عند من قال بالإحباط، و لیس من قتل
کذلک، لأنه لا یضل اللَّه أعمالهم علی وجه بلا شرط، و لأنه لا یقتل إلا وقد قاتل فصار معناهما واحد.
« وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ » نزلت فی أهل مکۀ. و قوله « الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ » قال مجاهد عن ابن عباس إن قوله
فی الأنصار.
یقول اللَّه تعالی مخبراً بأن الذین جحدوا توحید اللَّه و عبدوا معه غیره و کذبوا محمداً نبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله فی الذي جاء به و
و معناه حکم اللَّه علی « أَضَ لَّ أَعْمالَهُمْ » صدوا من أراد عبادة اللَّه و الإقرار بتوحیده و تصدیق نبیه عن الدین، و منعوه من الإسلام
صفحۀ 147 من 296
أعمالهم بالضلال عن الحق و العدول من الاستقامۀ و سماها بذلک لأنها عملت علی غیر هدي و غیر رشاد. و الصد عن سبیل اللَّه هو
الصرف عن سبیل اللَّه بالنهی عنه و المنع منه. و الترغیب فی خلافه، و کل ذلک صد، فهؤلاء کفروا فی أنفسهم و دعوا التبیان فی
تفسیر القرآن، ج 9، ص: 290
غیرهم إلی مثل کفرهم. و الضلال الإهلاك حتی یصیر بمنزلۀ ما لم یعمل، و لیس فی الآیۀ ما یدل علی القول بصحۀ الإحباط إذا
حملناها علی ما قلناه. و من قال بالتحابط بین المستحقین لا بد ان یترك ظاهر الآیۀ.
و آمنوا » یعنی صدقوا بتوحید اللَّه و الإقرار بنبوة نبیه و أضافوا إلی ذلک الاعمال الصالحات « وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ » ثم قال
وَ هُوَ » و قوله « کفر اللَّه عنهم سیئاتهم » الذي لا مریۀ فیه « وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ » من القرآن و العبادات و غیرها « بما انزل علی محمد
أي بلطفه لهم فیه « هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ » یعنی القرآن- علی ما قاله قوم- و قال آخرون إیمانهم باللَّه و بالنبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله « الْحَقُّ
و حثه علیه و أمره به. و معنی تکفیر السیئات هو الحکم بإسقاط المستحق علیها من العقاب، فأخبر تعالی انه متی فعل المکلف الایمان
قال قتادة: « وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ » باللَّه و التصدیق لنبیه أسقط عقاب معاصیه حتی یصیر بمنزلۀ ما لم یفعل. و قوله
معناه و أصلح حالهم فی معایشهم و أمر دنیاهم. و قال مجاهد: و أصلح شأنهم، و البال لا یجمع، لأنه أبهم أخواته من الحال و الشأن.
فعلنا ذلک بهم و حکمنا بابطال أعمالهم جزاء « ذلِکَ بِأَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا » ثم بین تعالی لم فعل ذلک و لم قسمهم هذین القسمین فقال
الذي أمر اللَّه باتباعه. و قیل الباطل هو « اتَّبَعُوا الْحَقَّ » و المعاصی، و فعلنا بالمؤمنین من تکفیر سیئاتهم لأنهم « اتَّبَعُوا الْباطِلَ » علی انهم
الشیطان- هاهنا- و الحق هو القرآن، و یجوز ان یکون التقدیر الامر ذلک، و حذف الابتداء.
ثم قال تعالی (کَذلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) أي هؤلاء الذین حکمنا بهلاکهم و ضلالهم بمنزلۀ من دعاه الباطل فاتبعه، و المؤمن
بمنزلۀ من دعاه الحق من اللَّه فاتبعه و یکون التقدیر یضرب اللَّه للناس صفات أعمالهم بأن بینها و بین ما یستحق التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 9، ص: 291
علیها من ثواب و عقاب.
باللَّه و جحدوا ربوبیته من أهل دار الحرب (فَضَرْبَ الرِّقابِ) « الذین کفروا » ثم خاطب تعالی المؤمنین فقال (فإذا لقیتم) معاشر المؤمنین
و معناه اضربوهم علی الرقاب، و هی الاعناق (حَ تَّی إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أي اثقلتموهم بالجراح و ظفرتم بهم (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) و معناه
احکموا وثاقهم فی الأمر. ثم قال (فَإِمَّا مَنا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّی تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) و معناه اثقالها.
و قوله (فَإِمَّا مَنا بَعْدُ) نصب علی المصدر و التقدیر إما أن تمنوا مناً و إما أن تفدوا فداء و قال قتادة و ابن جریج: الآیۀ منسوخۀ بقوله
و قال ابن عباس و الضحاك: «2» ( و قوله (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ «1» ( (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ
الفداء منسوخ. و قال ابن عمر و الحسن و عطا و عمر ابن عبد العزیز: لیست منسوخۀ. و قال الحسن یکره أن یفادي بالمال، و یقال
یفادي الرجل بالرجل، و قال قوم: لیست منسوخۀ، و الامام مخیر بین الفداء و المن و القتل بدلالۀ الآیات الاخر (حَتَّی تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزارَها) أي اثقالها، و قال قتادة: حتی لا یکون مشرك. و قال الحسن: إن شاء الامام أن یستفد الأسیر من المشرکین، فله ذلک بالسنۀ،
و الذي رواه أصحابنا ان الأسیر إن أخذ قبل انقضاء الحرب و القتال بأن تکون الحرب قائمۀ و القتال باق، فالإمام مخیر بین أن یقتلهم
أو یقطع أیدیهم و أرجلهم من خلاف و یترکهم حتی ینزفوا، و لیس له المن و لا الفداء. و إن کان أخذ بعد وضع الحرب أوزارها و
انقضاء الحرب و القتال کان مخیراً بین المن و المفادات. إما بالمال او النفس، و بین الاسترقاق، و ضرب الرقاب، فان أسلموا فی
الحالین سقط جمیع ذلک و صار حکمه حکم المسلم.
__________________________________________________
1) سورة 9 التوبۀ آیۀ 6 )
2) سورة 8 الانفال آیۀ 58 )
صفحۀ 148 من 296
ص: 292
و قوله (ذلک) أي الذي حکمنا به هو الحق الذي یجب علیکم إتباعه (وَ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ لَانْتَ َ ص رَ مِنْهُمْ) و أهلکهم بانزال العذاب علیهم (وَ
لکِنْ لِیَبْلُوَا بَعْضَکُمْ بِبَعْضٍ) و یختبرهم و یتعبدهم بقتالهم إن لم یؤمنوا.
ثم اخبر تعالی أن (الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) قال قتادة هم الذین قتلوا یوم احد. و من قرأ (قاتلوا) أراد قاتلوا سواء
قتلوا او لم یقتلوا لن یهلک اللَّه أعمالهم و لا یحکم بضلالهم و عدولهم عن الحق. ثم قال (سیهدیهم) یعنی إلی طریق الجنۀ (و یصلح
بالهم) أي شأنهم او حالهم، و لیس فی ذلک تکرار البال، لان المعنی یختلف، لان المراد بالأول انه یصلح حالهم فی الدین و الدنیا و
بالثانی یصلح حالهم فی النعیم،، فالأول سبب النعیم، و الثانی نفس النعیم.
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 6 الی 10 ]..... ص: 292
وَ یُدْخِلُهُمُ الْجَنَّۀَ عَرَّفَها لَهُمْ ( 6) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُ رُوا اللَّهَ یَنْصُ رْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُمْ ( 7) وَ الَّذِینَ کَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَ لَّ
أَعْمالَهُمْ ( 8) ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ( 9) أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَۀُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ
( اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ لِلْکافِرِینَ أَمْثالُها ( 10
خمس آیات بلا خلاف.
لما اخبر اللَّه تعالی انه سیهدي المؤمنین إلی طریق الجنۀ، و یصلح حالهم فیها، بین أنه ایضاً (یُدْخِلُهُمُ الْجَنَّۀَ عَرَّفَها لَهُمْ) و قیل فی معنی
(عرفها لهم) قولان:
أحدهما- بانه عرفها لهم بان وصفها علی ما یشوق الیها، لیعملوا بما یستوجبونها ص: 293
به من طاعۀ اللَّه و اجتناب معاصیه.
و الثانی- عرفها لهم بمعنی طیبها بضروب الملاذ، مشتقاً من العرف، و هی الرائحۀ الطیبۀ التی تتقبلها النفس تقبل ما تعرفه و لا تنکره.
و قال ابو سعید الخدري و قتادة و مجاهد و ابن زید: معناه انهم یعرفون منازلهم فیها کما کانوا یعرفون منازلهم فی الدنیا. و قال
الحسن: وصف الجنۀ فی الدنیا لهم، فلما دخلوها عرفوها بصفتها.
ثم خاطب المؤمنین فقال (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) بتوحید اللَّه و صدقوا رسوله (إِنْ تَنْصُ رُوا اللَّهَ یَنْصُ رْکُمْ) و معناه إن تنصروا دینه بالدعاء
و قیل معناه (تنصروا اللَّه) تدفعوا عن نبیه (ینصرکم) «1» ( الیه، و اضافه إلی نفسه تعظیماً کما قال (مَنْ ذَا الَّذِي یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَ ناً
اللَّه، أي یدفع عنکم أعداءکم فی الدنیا عاجلا، و عذاب النار آجلا (وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُمْ) فی حال الحرب. قیل: و یثبت أقدامکم یوم
الحساب.
ثم قال (وَ الَّذِینَ کَفَرُوا) بنعم اللَّه و جحدوا نبوة نبیه (فتعساً لهم) أي خزیاً لهم و ویلا لهم، فالتعس الانحطاط و العثار عن منازل
المؤمنین (وَ أَضَ لَّ أَعْمالَهُمْ) أي أهلکها و حکم علیها بالضلال. و إنما کرر قوله (وَ أَضَ لَّ أَعْمالَهُمْ) و (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) تأکیداً، و
مبالغۀ فی الزجر عن الکفر و المعاصی و کرر ذکر النعیم إذا ذکر المؤمنین مبالغۀ فی الترغیب فی الطاعات. و إنما عطف قوله (و
أضل) و هو (فعل) علی قوله (فتعساً) و هو اسم، لأن المعنی أتعسهم اللَّه و أضل أعمالهم فلذلک حسن العطف.
ثم بین تعالی لم فعل ذلک، فقال فعلنا (ذلک) جزاء لهم علی معاصیهم (بِأَنَّهُمْ کَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ) من القرآن و الأحکام و أمرهم
بالانقیاد لها، فخالفوا
__________________________________________________
1) سورة 2 البقرة آیۀ 245 و سورة 57 الحدید آیۀ 11 )
ص: 294
صفحۀ 149 من 296
ذلک (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) من أجل ذلک أي حکم ببطلانها، لأنها وقعت علی خلاف الوجه المأمور به.
ثم نبههم علی الاستدلال علی صحۀ ما دعاهم الیه من توحیده و إخلاص العبادة له، فقال (أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ
عاقِبَۀُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ) حین أرسل اللَّه الیهم الرسل فدعوهم إلی توحیده و إخلاص العبادة له، فلم یقبلوا منهم و عصوهم و عملوا
بخلافه، فأهلکهم اللَّه جزاء علی ذلک (و دمر علیهم) مثل ما فعل بعاد و ثمود و قوم لوط و أشباههم. ثم قال (و للکافرین) بک یا
محمد إن لم یقبلوا ما تدعوهم الیه (أمثالها) أي أمثال تلک العقوبات أي هم یستحقون مثلها، و إنما یؤخر عذابهم تفضلا منه.
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 11 الی 15 ]..... ص: 294
ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْکافِرِینَ لا مَوْلی لَهُمْ ( 11 ) إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا یَتَمَتَّعُونَ وَ یَأْکُلُونَ کَما تَأْکُلُ الْأَنْعامُ وَ النَّارُ مَثْويً لَهُمْ ( 12 ) وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَۀٍ هِیَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْیَتِکَ الَّتِی
أَخْرَجَتْکَ أَهْلَکْناهُمْ فَلا ناصِ رَ لَهُمْ ( 13 ) أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَۀٍ مِنْ رَبِّهِ کَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ( 14 ) مَثَلُ الْجَنَّۀِ الَّتِی
وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِیها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَیْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ یَتَغَیَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِینَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُ َ ص  فی وَ لَهُمْ
( فِیها مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ کَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِی النَّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِیماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ( 15
ص: 295
ست آیات بصري، و خمس فی ما عداه، عدّ البصریون (للشاربین) و لم یعده الباقون.
قرأ ابن کثیر (أسن) علی وزن (فعل). الباقون علی وزن (فاعل) و معناهما واحد، لان المعنی من ماء غیر متغیر.
لما اخبر اللَّه تعالی انه أهلک الأمم الماضیۀ بکفرهم و أن للکافرین أمثالها بین أنه لم کان کذلک؟ فقال (ذلک) أي الذي فعلناه فی
الفریقین (بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا) ینصرهم و یدفع عنهم لأن اللَّه مولی کل مؤمن (وَ أَنَّ الْکافِرِینَ لا مَوْلی لَهُمْ) ینصرهم من عذابه
إذا نزل بهم و لا أحد یدفع عنهم لا عاجلا و لا آجلا.
ثم اخبر تعالی انه (یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا) بتوحیده و صدقوا نبیه (وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مضافۀ الیها (جنات) أي بساتین تجنها الأشجار
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) و قیل: ان أنهار الجنۀ فی أخادید من الأرض، فلذلک قال من تحتها.
ثم قال (وَ الَّذِینَ کَفَرُوا) بتوحیده و کذبوا رسله (یتمتعون) فی دار الدنیا و یلتذون فیها (و یأکلون) المآکل فیها (کَما تَأْکُلُ الْأَنْعامُ) أي
مثل ما تأکل الانعام و البهائم، لأنهم لا یعتبرون و لا ینظرون و لا یفکرون و لا یفعلون ما أوجبه اللَّه علیهم، فهم بمنزلۀ البهائم. و قیل:
إن المعنی بذلک الاخبار عن خستهم فی أکلهم بأنهم یأکلون للشره و النهم، لأنهم جهال. ثم قال (وَ النَّارُ مَثْويً لَهُمْ) أي موضع
مقامهم الذي یقیمون فیه.
ثم قال لنبیه صَلی اللَّهُ عَلیه و آله مهدداً لکفار قومه (وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَۀٍ هِیَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ ص: 296
قَرْیَتِکَ)
یعنی مکۀ (الَّتِی أَخْرَجَتْکَ أَهْلَکْناهُمْ فَلا ناصِ رَ لَهُمْ) الآن فما الذي یؤمن هؤلاء أن یفعل بهم مثل ذلک. و معنی (و کأین) (و کم) و
الأصل فیها (أي) قریۀ إلا أنها إذا لم تضف تؤنث. ثم قال علی وجه التهجین للکفار و التوبیخ لهم (أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَۀٍ مِنْ رَبِّهِ) أي
حجۀ واضحۀ. قال قتادة: یعنی محمداً صَلی اللَّهُ عَلیه و آله.
و قال قوم: یعنی به المؤمنین الذین عرفوا اللَّه تعالی و أخلصوا العبادة (کَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) من المعاصی زینها لهم الشیطان و
أغواهم بها (وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أي شهواتهم فی ذلک، و ما تدعوهم الیه طباعهم.
ثم اخبر تعالی عن وصف الجنۀ التی وعد المتقین بها، فقال (مثل الجنۀ) أي وصف الجنۀ (الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) بها (فِیها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ
غَیْرِ آسِنٍ) أي غیر متغیر لطول المقام (وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ یَتَغَیَّرْ طَعْمُهُ) لمثل ذلک (وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِینَ) یلتذون بشربها و لا
صفحۀ 150 من 296
یتأذون بها و لا بعاقبتها (وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُ َ ص  فی) من کل أذي (وَ لَهُمْ فِیها مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) تلحقهم أي لا یلحقهم
فی الجنۀ توبیخ بشیء من معاصیهم، لان اللَّه قد تفضل بسترها علیهم فصارت بمنزلۀ ما لم یعمل بابطال حکمها.
و قوله (مثل الجنۀ) مرفوع بالابتداء، و خبره محذوف، و تقدیره ما یتلی علیکم مثل الجنۀ التی وعد المتقون، و لو جعل المثل مقحماً
جاء الخبر المذکور عن الجنۀ کأنه قیل الجنۀ التی وعد المتقون فیها کذا و فیها کذا.
و قوله (کَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِی النَّارِ) أي یتساوي من له نعیم الجنۀ علی ما وصفناه و من هو فی النار مؤبدا!؟ و مع ذلک (سُقُوا ماءً حَمِیماً)
أي حاراً (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) من حرارتها، و لم یقل أمن هو فی الجنۀ لدلالۀ قوله (کَمَنْ هُوَ خالِدٌ) علیه. و قیل: معنی قوله (کَمَنْ هُوَ خالِدٌ
فِی النَّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِیماً فَقَطَّعَ ص: 297
أَمْعاءَهُمْ)
أي هل یکون صفتهما و حالهما سواء؟!. و یتماثلان فیه؟! فانه لا یکون ذلک أبداً.
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 16 الی 20 ]..... ص: 297
وَ مِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُ إِلَیْکَ حَتَّی إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا
أَهْواءَهُمْ ( 16 ) وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُديً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ ( 17 ) فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَۀَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَۀً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّی لَهُمْ إِذا
جاءَتْهُمْ ذِکْراهُمْ ( 18 ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ مُتَقَلَّبَکُمْ وَ مَثْواکُمْ ( 19 ) وَ یَقُولُ
الَّذِینَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْکَمَ ۀٌ وَ ذُکِرَ فِیهَا الْقِتالُ رَأَیْتَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ نَظَرَ الْمَغْشِیِّ
( عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلی لَهُمْ ( 20
خمس آیات بلا خلاف.
قرأ ابن کثیر فی احدي الروایتین (أنفاً) علی وزن (فعل) الباقون (آنفاً) بالمد علی وزن (فاعل) قال ابو علی الفارسی: جعل ابن کثیر
ذلک مثل (حاذر، و حذر. و فاکه، و فکه) و الوجه الروایۀ الأخري.
حکی اللَّه تعالی لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله أن من الکفار من إذا جاء إلی النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و استمع التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 9، ص: 298
لقراءة القرآن منه و سمع ما یؤدیه إلی الحق من الوحی و ما یدعوه الیه، فلا یصغی الیه و لا ینتفع به حتی إذا خرج من عنده لم یدر ما
سمعه و لا فهمه، و یسألون أهل العلم الذین آتاهم اللَّه العلم و الفهم من المؤمنین (ما ذا قالَ آنِفاً) اي أي شیء قال الساعۀ؟ و قیل:
معناه قریباً مبتدیاً. و قیل: إنهم کانوا یتسمعون للخطبۀ یوم الجمعۀ و هم المنافقون، و الآنف الجائی بأول المعنی و منه الاستئناف، و هو
استقبال الأمر بأول المعنی، و منه الانف لأنه أول ما یبدو من صاحبه، و منه الأنفۀ رفع النفس عن أول الدخول فی الرتبۀ. و إنما قال (وَ
مِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُ إِلَیْکَ) فرده إلی لفظۀ (من) و هی موحدة. ثم قال (حَتَّی إِذا خَرَجُوا) بلفظ الجمع برده إلی المعنی، لان (من) یقع علی
الواحد و الجماعۀ.
ثم قال تعالی (أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ) أي وسم قلوبهم و جعل علیها علامۀ تدل علی انهم کفار لا یؤمنون، و هو کالختم و
إن صاحبه لا یؤمن فطبع اللَّه علی قلوب هؤلاء الکفار ذماً لهم علی کفرهم أي لکونهم عادلین عن الحق و اخبر أنهم (اتبعوا) فی ذلک
(أهواءهم) و هو شهوة نفوسهم و ما مال الیه طبعهم دون ما قامت علیه الحجۀ یقال: هوي یهوي هوي فهو هاو، و استهواه هذا الأمر أي
دعاه إلی الهوي.
ثم وصف تعالی المؤمنین فقال (وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا) إلی الحق، و وصلوا إلی الهدي و الایمان (زادهم هدي) فالضمیر فی زادهم یحتمل
ثلاثۀ أوجه:
صفحۀ 151 من 296
أحدها- زادهم اللَّه هدي بما ینزل علیهم من الآیات و الأحکام، فإذا أقروا بها و عرفوها زادت معارفهم.
الثانی- زادهم ما قال النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله هدي.
الثالث- زادهم استهزاء المنافقین إیماناً. ص: 299
و الوجه فی إضافۀ الزیادة فی الهدي إلی اللَّه هو ما یفعله تعالی بهم من الألطاف التی تقوي دواعیهم إلی التمسک بما عرفوه من الحق
و تصرفهم عن العدول إلی خلافه. و یکون ذلک تأکیداً لما عملوه من الحق و صارفاً لهم عن تقلید الرؤساء من غیر حجۀ و لا دلالۀ.
ثم قال (و آتاهم) علی زیادة الهدي (تقواهم) أي خوفاً من اللَّه من معاصیه و من ترك مفترضاته بما فعل بهم من الالطاف فی ذلک.
و قیل معناه (آتاهم) ثواب (تقواهم) و لا یجوز ان یکون المراد خلق لهم تقواهم لأنه یبطل أن یکون فعلهم.
ثم قال (فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَۀَ) أي لیس ینتظرون إلا القیامۀ (أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَۀً) أي فجأة، فقوله (أن تأتیهم) بدل من الساعۀ، و تقدیره
إلا الساعۀ إتیانها بغتۀ، فان حذف الساعۀ کان التقدیر هل ینظرون إلا إتیانهم الساعۀ بغتۀ. ثم قال تعالی (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي
علاماتها. و قیل: منها انشقاق القمر فی وقت النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و منها مجیء محمد صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله بالآیات لأنه آخر
الأنبیاء، فالاشراط العلامات واحدها شرط قال جریر:
«1» تري شرط المعزي مهور نسائهم و فی شرط المعزي لهن مهور
و أشرط فلان لنفسه إذا علمها بعلامۀ، و قال أوس بن حجر:
«2» فاشرط فیها نفسه و هو مقصم و القی بأسباب له و توکلا
و الفاء فی قوله (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) عطف جملۀ علی جملۀ فیها معنی الجزاء، و التقدیر إن تأتیهم بغتۀ، فقد جاء أشراطها. و قد قريء
شاذاً عن أبی عمرو (الا إن) و القراءة بفتح (أن) و قال المبرد: هذا لا یجوز لأنه تعالی أخبر انه لا تأتی الساعۀ إلا بغتۀ، فکیف تعلق
بشرط؟ و قال تعالی (فأنی لهم) أي من این لهم (إذا
__________________________________________________
30 / 1) الطبري 26 )
31 / 2) الطبري 26 )
ص: 300
جاءتهم) یعنی الساعۀ (ذکراهم) أي ما یذکرهم أعمالهم من خیر او شر، فانه لا ینفعهم فی ذلک الوقت الایمان و الطاعات لزوال
التکلیف عنهم.
ثم قال لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و المراد به جمیع المکلفین (فاعلم) یا محمد (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) أي لا معبود یحق له العبادة إلا اللَّه. و
فی ذلک دلالۀ علی ان المعرفۀ باللَّه اکتساب، لأنها لو کانت ضروریۀ، لما أمر بها (وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ) فالخطاب
له و المراد به الأمۀ لأنه صَلی اللَّهُ عَلیه و آله لا ذنب له یستغفر منه، و یجوز ان یکون ذلک علی وجه الانقطاع الیه تعالی.
ثم قال (وَ اللَّهُ یَعْلَمُ مُتَقَلَّبَکُمْ وَ مَثْواکُمْ) أي الموضع الذي تتقلبون فیه و کیف تتقلبون و موضع استقرارکم، لا یخفی علیه شیء من
أعمالکم طاعۀ کانت او معصیۀ.
و قیل: یعلم منقلبکم فی أسفارکم و مثواکم فی أوطانکم، و قیل: متقلبکم فی أعمالکم و مثواکم فی نومکم.
ثم قال تعالی حکایۀ عن المؤمنین أنهم کانوا یقولون (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) أي هلا نزلت سورة لأنهم کانوا یأنسون بنزول الوحی و
یستوحشون من إبطائه فقال اللَّه تعالی حاکیاً عن حالهم عند نزول السورة فقال (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْکَمَ ۀٌ) أي لیس فیها متشابه و لا
تأویل (وَ ذُکِرَ فِیهَا الْقِتالُ) أي أوجب علیهم القتال (رَأَیْتَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي نفاق و شک (یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ نَظَرَ الْمَغْشِیِّ عَلَیْهِ
مِنَ الْمَوْتِ) لثقل ذلک علیهم و عظمه فی نفوسهم (فأولی لهم) قال قتادة: هو وعید، و کأنه قال العقاب اولی بهم، و هو ما یقتضیه قبح
صفحۀ 152 من 296
أحوالهم.
و روي عن ابن عباس، انه قال: قال اللَّه تعالی (فأولی) ثم استأنف فقال (لَهُمْ طاعَۀٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) یعنی للمؤمنین فصارت أولی للذین
فی قلوبهم مرض.
و قیل: المعنی (فَأَوْلی لَهُمْ طاعَۀٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) من أن یجزعوا عن فرض الجهاد ص: 301
علیهم. و قال الجبائی: معنی الکلام ینظرون الیک نظر المغشی علیه من الموت فأولی لهم أن یعاقبوا (فَلَوْ صَ دَقُوا اللَّهَ) فی ما أمرهم به
(لَکانَ خَیْراً لَهُمْ) و دخل بین الکلامین (طاعَۀٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) و لیس من قصته و إنما هی من صفۀ المؤمن یأمره اللَّه أن یطیعه، و
و هو شاذ. « سورة محدثۀ » یقول له قولا معروفاً. و قرأ ابن مسعود
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 21 الی 25 ]..... ص: 301
طاعَۀٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَ دَقُوا اللَّهَ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ ( 21 ) فَهَلْ عَسَ یْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا
أَرْحامَکُمْ ( 22 ) أُولئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَ مَّهُمْ وَ أَعْمی أَبْصارَهُمْ ( 23 ) أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها ( 24 ) إِنَّ الَّذِینَ
( ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَي الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلی لَهُمْ ( 25
خمس آیات بلا خلاف.
بمعنی الشیطان أملی لهم و یجوز أن یرید ان اللَّه أملی لهم کما « وَ أَمْلی لَهُمْ » علی ما لم یسم فاعله. الباقون « و أملی لهم » قرأ ابو عمرو
و قرأ یعقوب مثل أبی عمرو إلا انه أسکن الیاء بمعنی الاخبار عن اللَّه عن نفسه و ابو عمرو «1» « إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ » قال
قیل فی « طاعَۀٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ » بضم التاء و الواو و کسر اللام. الباقون بفتحهما. و قوله « تولیتم » جعله لما لم یسم فاعله. و قرأ رویس
معناه قولان:
__________________________________________________
1) سورة 3 آل عمران آیۀ 178 )
ص: 302
طاعَۀٌ وَ قَوْلٌ » أحدهما- قولوا أمرنا طاعۀ و قول معروف. قال مجاهد أمر اللَّه بذلک المنافقین. و قیل هو حکایۀ عنهم أنهم یقولون
.« فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ » مثل فرض الجهاد. لأنه یقتضیه قوله « مَعْرُوفٌ
الثانی- طاعۀ و قول معروف أمثل أي اولی بالحق من أقوال هؤلاء المنافقین و قیل: طاعۀ و قول معروف خیر لهم من جزعهم عند نزول
فرض الجهاد- ذکره الحسن- و الطاعۀ موافقه الارادة الداعیۀ إلی الفعل بطریق الترغیب فیه. و القول المعروف هو القول الحسن، و
سمی بذلک لأنه معروف صحته، و کذلک الأمر بالمعروف أي المعروف أنه حق. و الباطل منکر، لأنه تنکر صحته، فعلی هذا المعنی
وقع الاعتراف و الإنکار.
معناه إذا انعقد الأمر بالارادة انه یفعله فإذا عقد علی انه یفعل قیل عزم الأمر علی طریق البلاغۀ، و قیل معنی عزم « فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ » و قوله
أي جدّ الأمر (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ) یعنی فی ما أمرهم به من القتال و امتثلوا أمره (لَکانَ خَیْراً لَهُمْ) لأنهم کانوا یصلون إلی نعیم الأبد.
یا معشر المنافقین أن تولیتم، و قیل فی معناه قولان: « فَهَلْ عَسَیْتُمْ » ثم خاطبهم فقال
فی الأرض بأخذ الرشا. و قیل أن أعرضتم عن کتاب اللَّه ان تعودوا إلی ما « أَنْ تُفْسِدُوا » الأحکام و جعلتم ولاة « إِنْ تَوَلَّیْتُمْ » - أحدهما
کنتم من أمر الجاهلیۀ أن یقتل بعضکم بعضاً کما کنتم تفعلونه.
و الثانی- ان ولیتم الأمر أن یقطع بعضکم رحم بعض، و یقتل بعضکم بعضاً کما قتلت قریش بنی هاشم. و قتل بعضهم بعضاً. و قیل
بان ص: « أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ » المعنی ان أعرضتم عن کتاب اللَّه و العمل بما فیه من وجوب القتال
صفحۀ 153 من 296
303
فلا تصلونها، فان اللَّه تعالی یعاقبکم علیه بعذاب الأبد و یلعنکم. « وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ » تعملوا فیها بالمعاصی
أي سماهم عمیاً و صماً، و حکم علیهم « فَأَصَ مَّهُمْ وَ أَعْمی أَبْصارَهُمْ » أي أبعدهم اللَّه عن رحمته « أُولئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ » ثم قال
بذلک، لأنهم بمنزلۀ الصم و العمی من حیث لم یهتدوا إلی الحق و لا أبصروا الرشد، و لم یرد الاصمام فی الجارحۀ و الاعماء فی
العین، لأنهم کانوا بخلافه صحیحی العین صحیحی السمع.
معناه أفلا یتدبرون القرآن بأن یتفکروا فیه و یعتبروا به أم علی قلوبهم « أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها » ثم قال موبخاً لهم
قفل یمنعهم من ذلک تنبیهاً لهم علی ان الأمر بخلافه. و لیس علیها ما یمنع من التدبر و التفکر و التدبر فی النظر فی موجب الأمر و
عاقبته، و علی هذا دعاهم الی تدبر القرآن.
و فی ذلک حجۀ علی بطلان قول من بقول لا یجوز تفسیر شیء من ظاهر القرآن إلا بخبر و سمع.
و فیه تنبیه علی بطلان قول الجهال من اصحاب الحدیث انه ینبغی ان یروي الحدیث علی ما جاء و إن کان مختلا فی المعنی، لأن اللَّه
تعالی دعا إلی التدبر و التفقه و ذلک مناف للتجاهل و التعامی.
أي ظهر لهم الطریق الواضح « مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَي » أي رجعوا عن الحق و الایمان « إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ » ثم قال
المفضی إلی الجنۀ.
و لیس فی ذلک ما یدل علی ان المؤمن علی الحقیقۀ یجوز ان یرتد، لأنه لا یمتنع ان یکون المراد من رجع عن إظهار الایمان بعد
وضوح الأمر فیه و قیام الحجۀ بصحته.
أي أمهلهم الشیطان، و أملی « وَ أُمْلِی لَهُمْ » أي زین لهم ذلک. و قیل: معناه أعطاهم سؤلهم من خطایاهم « الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ » ثم قال
لهم بالاطماع و الاغترار. ص: 304
و قیل: المعنی و املی اللَّه لهم أي اخرهم فاغتروا بذلک. و من قرأ- علی ما لم یسم فاعله- احتمل الامرین ایضاً.
و قیل الآیۀ نزلت فی الیهود، لأنهم عرفوا صفات النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله فی التوراة فلما جاءهم کفروا به. و قیل نزلت فی المنافقین
حین صدوا عن القتال معه من بعد ما علموا وجوبه فی القرآن.
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 26 الی 30 ]..... ص: 304
ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِینَ کَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِیعُکُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ ( 26 ) فَکَیْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِکَۀُ یَضْ رِبُونَ
وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ ( 27 ) ذلِکَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَ کَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ( 28 ) أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ
( لَنْ یُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ ( 29 ) وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَیْناکَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَعْمالَکُمْ ( 30
خمس آیات بلا خلاف.
بکسر الهمزة علی انه مصدر. « إسرارهم » قرأ اهل الکوفۀ إلا أبا بکر
الباقون بفتحها علی انه جمع سر.
یعنی « ذلِکَ بِأَنَّهُمْ » لما اخبر اللَّه تعالی عن حال المرتدین علی أعقابهم و الراجعین عن إظهار الحق خلافه، بین لم فعلوا ذلک، فقال
، من القرآن و ما أمرهم به من الأمر و النهی و الحلال و الحرام التبیان فی تفسیر القرآن، ج 9 « قالُوا لِلَّذِینَ کَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ » الشیاطین
ص: 305
أي نفعل بعض ما تریدونه من « سَنُطِیعُکُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ » و شبهوا علیهم ذلک و مالوا إلی خلافه. و قیل: هذا قول الیهود للمنافقین
المیل إلیکم و إعطاء شهواتکم.
صفحۀ 154 من 296
« فَکَیْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِکَۀُ » أي بواطنهم- فمن فتح الهمزة، و من کسرها- أراد یعلم ما یسرونه. ثم قال « وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ » ثم قال
علی وجه العقوبۀ لهم فی « یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ » و المعنی کیف حالهم إذا توفتهم الملائکۀ و حذف تفخیماً لشأن ما ینزل بهم
القبر و یوم القیامۀ.
وَ» یعنی المعاصی التی یکرهها اللَّه و یعاقب علیها « ذلِکَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ » ثم بین تعالی لم یفعل الملائکۀ بهم ذلک، فقال
أي حکم بأنها باطلۀ محبطۀ لا « فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ » أي کرهوا سبب رضوانه من الایمان و الطاعات و الامتناع من القبائح « کَرِهُوا رِضْوانَهُ
یستحق علیها الثواب.
أي أحقادهم مع المؤمنین و لا یظهرها « أَنْ لَنْ یُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ » أي نفاق و شک یظنون « أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » ثم قال
یعنی المنافقین بأعیانهم، و لو شئت لعرفتکهم حتی تعرفهم. ثم « وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَیْناکَهُمْ » و لا یبدي عوراتهم للنبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله
وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی » أي بعلاماتهم التی نصبها اللَّه لکم، یعرفهم بها یعنی الامارات الدالۀ علی سوء نیاتهم. ثم قال « فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیماهُمْ » قال
أي فی فحوي أقوالهم و متضمنها. و منه « لَحْنِ الْقَوْلِ
قوله صَلی اللَّهُ عَلیه و آله (و لعل بعضکم ألحن بحجته)
أي أذهب بها فی الجهات لقوته علی تصریف الکلام، و اللحن الذهاب عن الصواب فی الاعراب، و اللحن ذهاب الکلام إلی خلاف
الطاعات منها و المعاصی، فیجازیکم بحسبها. « وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَعْمالَکُمْ » جهته. ثم قال
ص: 306
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 31 الی 35 ]..... ص: 306
وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْکُمْ وَ الصَّابِرِینَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَکُمْ ( 31 ) إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَ دُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ
بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدي لَنْ یَضُرُّوا اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ ( 32 ) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ
33 ) إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَ دُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( 34 ) فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ )
( اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُمْ ( 35
خمس آیات بلا خلاف.
الباقون « وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَعْمالَکُمْ » بالیاء فیهن رداً علی اسم اللَّه فی قوله « و لیبلونکم حتی یعلم.... و یبلو أخبارکم » قرأ ابو بکر عن عاصم
بکسر السین. الباقون بفتحها، و هما لغتان علی « إلی السلم » بالنون علی وجه الاخبار من اللَّه عن نفسه. و قرأ حمزة و ابو بکر عن عاصم
یقول اللَّه تعالی مقسماً إنا نبلو هؤلاء الکفار، و معناه نختبرهم بما نکلفهم من الأمور «1» ما بیناه فی ما تقدم فی الإسلام و المصالحۀ
قیل فی معناه قولان: « حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْکُمْ » الشاقۀ، فالابتلا و الاختبار واحد. و قوله
أحدهما- حتی نعلم جهادکم موجوداً لأن الغرض ان تفعلوا الجهاد فیثیبکم
__________________________________________________
175 / 1) انظر 5 )
ص: 307
علی ذلک، لأنکم لا تستحقون الثواب علی ما یعلم اللَّه انه یکون.
الثانی- حتی نعاملکم معاملۀ من کأنه یطلب ان یعلم.
« إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ » و قیل: معناه حتی یعلم أولیائی المجاهدین منکم، و أضافه إلی نفسه تعظیماً لهم و تشریفاً، کما قال
یعنی یؤذن أولیاء اللَّه. و قیل: «1»
صفحۀ 155 من 296
معناه حتی یتمیز المعلوم فی نفسه، لأنهم إنما یتمیزون بفعل الایمان. و قیل: المعنی حتی تعلموا أنتم، و اضافه إلی نفسه تحسناً کما أن
الإنسان العالم إذا خولف فی ان النار تحرق الحطب یحسن ان یقول: نجمع بین النار و الحطب لنعلم هل تحرق ام لا، و لا یجوز ان
یکون المراد حتی نعلم بعد ان لم نکن عالمین، لأنه تعالی عالم فی ما لم یزل بالأشیاء کلها، و لو تجدد کونه عالماً لاحتاج إلی علم
محدث کالواحد منا و ذلک لا یجوز أن یکون غرضاً بالتکلیف، لکن یجوز ان یکون الغرض ظهور حق الذم علی الاساءة، و إنما جاز
فی وصف اللَّه الابتلاء، لأن المعنی انه یعامل معاملۀ المبتلی المختبر مظاهرة فی العدل بالجزاء لها. و الجهاد احتمال المشقۀ فی قتال
المشرکین و اعداء دین اللَّه. و أفضل الأعمال علم الدین، و الجهاد فی سبیل اللَّه، لأن علم الدین به یصح العمل بالحق و الدعاء الیه. و
الجهاد داع إلی الحق مع المشقۀ فیه. و الصابر هو الحابس نفسه عما لا یحل له، و هی صفۀ مدح. و مع ذلک ففیها دلیل علی حاجۀ
أي نختبر اخبارکم و نعلم المطیع « وَ نَبْلُوَا أَخْبارَکُمْ » الموصوف بها، لأنه إنما یحبس نفسه و یمنعها مما تشتهیه او تنازع الیه من القبیح
من العاصی.
بالقهر تارة و بالإغراء « سَبِیلِ اللَّهِ » إتباع « عن » أي منعوا غیرهم « و صدوا » بوحدانیته و جحدوا نبوة نبیه « إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا » ثم اخبر تعالی
مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدي و وضح لهم » أي عاندوه و باعدوه بمعاداته « وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ » أخري
__________________________________________________
1) سورة 33 الأحزاب آیۀ 57 )
ص: 308
و یستحقون علیها العقاب. و الهدي الدلالۀ المؤدیۀ إلی « وَ سَیُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ » و إنما ضروا نفوسهم « شَیْئاً » بذلک « لَنْ یَضُ رُّوا اللَّهَ » سبیله
الحق. و الهادي الدال علی الحق و فی الآیۀ دلالۀ علی أن هؤلاء الکفار کان قد تبین لهم الهدي فارتدوا عنه او یکون ظهر لهم أمر
النبی، فلم یقبلوه. و قیل: تبین لهم الهدي، لأنهم کانوا قد عرفوا الایمان و رجعوا عنه.
أي افعلوا الطاعات التی أمرکم اللَّه « أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ » باللَّه و صدقوا رسوله « یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا » ثم خاطب المؤمنین فقال
بأن توقعوها علی خلاف الوجه المأمور به فیبطل ثوابکم علیها و تستحقون العقاب. « وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ » بها و أمرکم بها رسوله
بالمنع و الإغراء و الدعاء إلی « وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ » أي جحدوا وحدانیۀ اللَّه و کذبوا رسوله « إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا » ثم اخبر تعالی فقال
أي لا تتوانوا. و قال « فَلا تَهِنُوا » معاصیهم بل یعاقبهم علیها. ثم قال « فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » أي فی حال کفرهم « ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ » غیره
وَ» - أي و أنتم القاهرون الغالبون- فی قول مجاهد « وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ » یعنی المصلحۀ « وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ » مجاهد و ابن زید: لا تضعفوا
وَ لَنْ یَتِرَکُمْ » اي ناصرکم و الدافع عنکم فلا تمیلوا مع ذلک إلی الصلح و المسالمۀ بل جاهدوا و اصبروا علیه. و قوله « اللَّهُ مَعَکُمْ
أي لن ینقصکم أجور أعمالکم یقال: و تره یتره وتراً إذا أنقصه. و هو قول مجاهد. و قال ابن عباس و قتادة و ابن زید و « أَعْمالَکُمْ
یجوز ان یکون « وَ تَدْعُوا » الضحاك: لن یظلمکم و أصله القطع، فمنه البتر القطع بالقتل. و منه الوتر المنقطع بانفراده عن غیره. و قوله
«1» أي لا تهنوا و لا تدعوا إلی السلم، و یجوز ان یکون فی موضع نصب علی الظرف « تهنوا » جراً عطفاً علی
__________________________________________________
1) المقصود من (الظرف) واو المعصیۀ الذي تضمر (ان) بعدها [.....] )
ص: 309
قوله تعالی:[سورة محمد ( 47 ): الآیات 36 الی 38 ]..... ص: 309
إِنَّمَ ا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا یُؤْتِکُمْ أُجُورَکُمْ وَ لا یَسْئَلْکُمْ أَمْوالَکُمْ ( 36 ) إِنْ یَسْئَلْکُمُوها فَیُحْفِکُمْ تَبْخَلُوا وَ یُخْرِجْ
أَضْغانَکُمْ ( 37 ) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَ مَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّما یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللَّهُ الْغَنِیُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ
صفحۀ 156 من 296
( وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أَمْثالَکُمْ ( 38
ثلاث آیات بلا خلاف.
یقول اللَّه تعالی مزهداً لخلقه فی الانعکاف علی الدنیا، و مرغباً لهم فی التوفر علی عمل الآخرة (إِنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ) و إنما
زهدهم فی الدنیا لکونها فانیۀ و رغبهم فی الآخرة لکونها باقیۀ، فمن اختار الفانی علی الباقی کان جاهلا و منقوصاً و معنی (الْحَیاةُ
الدُّنْیا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ) أي ذات لعب و لهو، لأن غالب أمر الناس فی الدنیا اللعب و اللهو، و ذلک عبث و غرور و انصراف عن الحد الذي
یدوم به السرور و الحبور، و قیل: شبهت باللعب و اللهو لانقطاعها عن صاحبها بسرعۀ، فالتقدیر علی هذا إنما الحیاة الدنیا کاللعب و
اللهو فی سرعۀ الانقضاء، و الآخرة کالحقیقۀ فی اللزوم و الامتداد، فإحداهما کالحقیقۀ، و الأخري کالمخرقۀ. ثم قال (و إن تؤمنوا)
بوحدانیته و تصدیق رسوله (و تتقوا) معاصیه (یُؤْتِکُمْ أُجُورَکُمْ) علی ذلک و ثوابکم علی طاعتکم (وَ لا یَسْئَلْکُمْ أَمْوالَکُمْ) أن تدفعوها
الیه. و قیل لا یسألکم أموالکم کلها و إن أوجب علیکم الزکاة فی بعض أموالکم. و قیل المعنی لا یسألکم أموالکم بل أمواله، لأنه
تعالی مالکها و المنعم بها. ص: 310
ثم بین تعالی لم لا یسألهم أموالهم، فقال (إِنْ یَسْئَلْکُمُوها فَیُحْفِکُمْ تَبْخَلُوا وَ یُخْرِجْ أَضْغانَکُمْ) فالاحفاء الإلحاح فی المسألۀ حتی ینتهی
إلی مثل الحفاء، و المشی بغیر حذاء، أحفاه بالمسألۀ یحفیه إحفاء. و قیل الإحفاء طلب الجمیع (تبخلوا) أي تمنعونه. و البخل قال قوم:
هو منع الواجب. و قال الرمانی: البخل منع النفع الذي هو أولی فی العقل، قال: و من زعم أن البخل منع الواجب عورض بأن البخل منع
ما یستحق بمنعه الذم، لأن البخیل مذموم بلا خلاف، و قد یمنع الواجب الصغیر فلا یجوز وصفه بأنه بخیل (وَ یُخْرِجْ أَضْغانَکُمْ) لأن فی
سؤال الأموال بالاحفاء خروج الاضغان و هی الأحقاد التی فی القلوب و العداوات الباطنۀ. و قیل (الاضغان) هی المشاق التی فی
القلوب، و لذلک ذکر الإخراج. و قیل: و یخرج اللَّه المشقۀ التی فی قلوبکم بسؤال أموالکم. و إنما قدم المخاطب علی الغائب فی
قوله (أن یسألکموها) لأنه ابتداء بالاقرب مع انه المفعول الاول، و یجوز مع الظاهر أن یسألها جماعتکم، لأنه غائب مع غائب، فالمتصل
أولی بأن یلیه من المنفصل.
ثم قال (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) و إنما کرر التنبیه فی موضعین للتوکید، فقال (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) و قیل (ها) للتقریب، و دخل علی المضمر
لمشاکلۀ (الیهم) فی انه معرفۀ تصلح صیغته لکل مکنی عنه علی جهَۀ جماعۀ المخاطب، کما یصلح (هؤلاء) لکل خاص مشار الیه، و
لم یجز مع الظاهر لبعده من المبهم. و قال بعضهم: العرب إذا زادت التقریب جعلت المکنی بین (ها) و بین (ذا)، فیقولون ما أنت ذا
قائماً، لان التقریب جواب الکلام فربما أعادت (ها) مع (ذا) و ربما اجتزأت بالأولی و حذفت الثانیۀ، و لا یقدمون (أنتم) علی (ها) لأن
(ها) جواب، فلا یقرب بها بعد الکلمۀ. و قوله (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ) لینیلکم الجزیل من ثوابه و هو غنی عنکم و عن جمیع
خلقه (فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ) فلا ینفق ماله فی سبیل اللَّه. ص: 311
ثم قال (وَ مَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّما یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) أي عن داعی نفسه، لا عن داعی ربه لأن اللَّه قد صرفه عن البخل بالنهی عنه و الذم له. ثم
قال (وَ اللَّهُ الْغَنِیُّ) الذي لیس بمحتاج لا إلیکم و لا إلی احد (و أنتم الفقراء الیه و إن تتولوا) أي ان تعرضوا عن أمره و نهیه و لا
تقبلونهما، و لا تعملون بما فیهما (یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ) قال قوم یستبدل اللَّه بهم من فی المعلوم أنهم یخلقون بعد، و یجوز أن یکونوا
من الملائکۀ و قیل: هم قوم من الیمن، و هم الأنصار. و قیل: مثل سلمان و أشباهه من أبناء فارس، و لم یجز الزجاج أن یستبدل
الملائکۀ، لأنه لا یعبر بالقوم عن الملائکۀ، لا یکونوا أمثالکم، لأنهم یکونون مؤمنین مطیعین، و أنتم کفار عاصون. و قال الطبري لا
یکونوا أمثالکم فی البخل و الإنفاق فی سبیل اللَّه، و
لما نزلت هذه الآیۀ فرح النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله و قال: هی أحب إلی من الدنیا.
ص: 312
-48 سورة الفتح..... ص: 312
صفحۀ 157 من 296
اشارة
مدنیۀ بلا خلاف و هی تسع و عشرون آیۀ بلا خلاف.
[سورة الفتح ( 48 ): الآیات 1 الی 5]..... ص: 312
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً ( 1) لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ یُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ یَهْدِیَکَ صِ راطاً مُسْتَقِیماً ( 2) وَ یَنْصُرَكَ
اللَّهُ نَصْراً عَزِیزاً ( 3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّکِینَۀَ فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ لِیَزْدادُوا إِیماناً مَعَ إِیمانِهِمْ وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ کانَ اللَّهُ
( عَلِیماً حَکِیماً ( 4
( لِیُدْخِلَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ یُکَفِّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ کانَ ذلِکَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِیماً ( 5
خمس آیات.
یقول اللَّه تعالی لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله (إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً) قال البلخی: الفتح یکون فی القتال و بالصلح، و باقامۀ الحجج، و
یکون المعنی (إِنَّا فَتَحْنا لَکَ) بحجج اللَّه و آیاته (فَتْحاً مُبِیناً) لینصرك اللَّه بذلک علی من ناواك. و قال قتادة: نزلت التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 9، ص: 313
هذه الآیۀ عند رجوع النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله من الحدیبیۀ، بشر فی ذلک الوقت بفتح مکۀ، و تقدیره (إِنَّا فَتَحْنا لَکَ) مکۀ. و قال
البلخی عن الشعبی فی وقت الحدیبیۀ بویع النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله بیعۀ الرضوان، و أطعموا نخیل خیبر، و ظهرت الروم علی فارس،
و بلغ الهدي محله. و الحدیبیۀ بئر،
فروي انها غارت فمج النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله فیها فظهر ماؤها حتی امتلأت به.
و قال قتادة: معنی (فتحنا) قضینا لک بالنصر. و قیل: معناه أعلمناك علماً ظاهراً فی ما أنزلناه علیک من القرآن و أخبرناك به من
و قال «2» ( أي علم الغیب. و قال (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَکُمُ الْفَتْحُ «1» ( الدین، و سمی العلم فتحاً، کما قال (وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ
الزجاج: معناه أرشدناك إلی الإسلام، و فتحنا لک الدین بدلالۀ قوله (لِیُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُشْرِکاتِ وَ
و قال مجاهد (فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً) یعنی نحره بالحدیبیۀ و حلقه. و قال قتادة: معناه قضینا «3» ( یَتُوبَ اللَّهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ
لک قضاء بیناً. و فی الحدیبیۀ مضمض رسول اللَّه صَ لی اللَّه عَلیه و آله فی البئر و قد غارت فجاشت بالرواء. و الفتح هو القضاء من
قولهم:
و الفتح الفرج المزیل للهم. و منه فتح المسألۀ «4» ( اللهم أفتح لی. و قوله تعالی (رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ
إذا انفرجت عن بیان ما یؤدي إلی المطلوب، و منه فتح علیه القراءة، لأنه متعلق بالسهو، و ینفتح بالذکر و الفتح المبین هو الظاهر، و
کذلک جري فتح مکۀ.
و قوله (لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَ ما تَأَخَّرَ) قیل جعل غفرانه جزاء عن ثوابه علی جهاده فی فتح مکۀ. و قیل فی معناه اقوال:
__________________________________________________
1) سورة 6 الانعام آیۀ 59 )
2) سورة 8 الانفال آیۀ 19 )
3) سورة 33 الأحزاب آیۀ 73 )
4) سورة 7 الاعراف آیۀ 88 )
صفحۀ 158 من 296
ص: 314
أحدها- ما تقدم من معاصیک قبل النبوة و ما تأخر عنها.
الثانی- ما تقدم قبل الفتح و ما تأخر عنه.
الثالث- ما قد وقع منک و ما لم یقع علی طریق الوعد بأنه یغفره له إذا کان.
الرابع- ما تقدم من ذنب أبیک آدم، و ما تأخر عنه.
و هذه الوجوه کلها لا تجوز عندنا، لأن الأنبیاء علیه السلام لا یجوز علیهم فعل شیء من القبیح لا قبل النبوة و لا بعدها، لا صغیرها و لا
کبیرها فلا یمکن حمل الآیۀ علی شیء مما قالوه، و لا صرفها إلی آدم لان الکلام فیه کالکلام فی نبینا محمد صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و
من حمل الآیۀ علی الصغائر التی تقع محبطۀ فقوله فاسد، لأنا قد بینا أن شیئاً من القبائح لا یجوز علیهم بحال. علی ان الصغائر تقع
مکفرة محبطۀ لا یثبت عقابها، فکیف یمتن اللَّه تعالی علی النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله أنه یغفرها له و هو تعالی لو آخذه بها لکان ظالماً
و إنما یصح التمدح بما له المؤاخذة أو العفو عنه، فإذا غفر استحق بذلک الشکر. و للایۀ وجهان من التأویل:
أحدهما- لیغفر لک ما تقدم من ذنب أمتک. ما تأخر بشفاعتک و لمکانک.
یرید اهل القریۀ فحذف المضاف و أقام المضاف الیه مقامه و «1» ( و أضاف الذنب إلی النبی و أراد به أمته، کما قال (وَ سْئَلِ الْقَرْیَۀَ
و المراد و جاء أمر ربک. «2» ( ذلک جائز لقیام الدلالۀ علیه، کما قال (وَ جاءَ رَبُّکَ
الثانی- أراد یغفر ما أذنبه قومک الیک من صدهم لک عن الدخول إلی مکۀ فی سنۀ الحدیبیۀ، فأزال اللَّه ذلک و ستر علیک تلک
الوصمۀ بما فتح علیک من مکۀ و دخلتها فی ما بعد، و لذلک جعله جزاء علی جهاده فی الدخول إلی مکۀ.
و الذنب مصدر تارة یضاف إلی الفاعل و تارة إلی المفعول، فیکون- هاهنا- مضافاً
__________________________________________________
1) سورة 12 یوسف آیۀ 82 )
2) سورة 89 الفجر آیۀ 22 )
ص: 315
إلی المفعول. و الذنب و إن کان غیر متعدّ إلی مفعول جاز ان یحمل علی المصدر الذي هو فی معناه، و الصد متعد کما قال الشاعر:
«1» جئنی بمثل بنی بدر لقومهم او مثل اسرة منظور بن سیار
لما کان معنی جئنی هات أعطنی عطف او (مثل) علی المعنی فنصبه، و مثله کثیر فی اللغۀ.
و قوله (وَ یُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ) فاتمام النعمۀ فعل ما یقتضیها من تبقیتها علی صاحبها و الزیادة منها، فاللَّه تعالی قد أنعم علی النبی صَ لی
اللَّهُ عَلیه و آله و تممها بنصره علی أعدائه الرادین لها المکذبین بها حتی علا بالحجۀ و القهر لکل من ناواه. و قیل یتم نعمته علیک
بفتح مکۀ و خیبر و الطائف. و قیل بخضوع من تکبر و طاعۀ من تجبر.
و قوله (وَ یَهْدِیَکَ صِ راطاً مُسْتَقِیماً) أي یرشدك إلی الطریق الذي إذا سلکته أداك إلی الجنۀ، و لا یعدل بک إلی غیرها (وَ یَنْصُرَكَ
اللَّهُ نَصْ راً عَزِیزاً) فالنصر العزیز هو الذي یمنع من کل جبار عنید و عات أثیم. و قد فعل اللَّه تعالی ذلک بنبیه محمد صَ لی اللَّهُ عَلیه و
آله فصار دینه أعز الأدیان و سلطانه أعظم السلطان.
و قوله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّکِینَۀَ فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ) و هو ما یفعل اللَّه تعالی بهم من اللطف الذي یحصل لهم عنده بصیرة بالحق
تسکن الیها نفوسهم و یجدون الثقۀ بها بکثرة ما ینصب اللَّه لهم من الأدلۀ الدالۀ علی الحق فهذه النعمۀ التامۀ للمؤمنین خاصۀ. فأما
غیرهم فتضطرب نفوسهم لاول عارض من شبهۀ ترد علیهم، لأنهم لا یجدون برد الیقین فی قلوبهم. و قیل: السکینۀ ما تسکن الیه
قلوبهم من التعظیم للَّه و رسوله و الوفاء له.
صفحۀ 159 من 296
و قوله (لِیَزْدادُوا إِیماناً مَعَ إِیمانِهِمْ) أي لیزدادوا معارف أخر بما أوجب
__________________________________________________
30 / 455 و 6 / 1) قد مر فی 3 )
ص: 316
اللَّه علیهم زیادة علی المعرفۀ الحاصلۀ، فبین اللَّه تعالی ما لنبیه عنده و للمؤمنین لیزدادوا ثقۀ بوعده. و قوله (وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ
الْأَرْضِ) قیل: معناه أنصار دینه ینتقم بهم من أعدائه. و قیل: معناه إن جمیع الجنود عبیده (وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً) بالأشیاء قبل کونها و عالماً
بعد کونها (حکیماً) فی أفعاله لأنها کلها محکمۀ و صواب.
و قوله (لِیُدْخِلَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إنما لم یدخل واو العطف فی (لیدخل) اعلاماً بالتفصیل، کأنه قال
إنا فتحنا لک فتحاً مبیناً لیغفر لک اللَّه، إنا فتحنا لک فتحاً لیدخل المؤمنین و المؤمنات جنات أي بساتین تجري من تحت أشجارها
أي مؤبدین لا یزول عنهم نعیمها (وَ یُکَفِّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ) أي عقاب معاصیهم التی فعلوها فی دار الدنیا (وَ کانَ « خالِدِینَ فِیها » الأنهار
ذلِکَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِیماً) أي الظفر، و الصلاح بما طلبوه من الثواب العظیم.
قوله تعالی:[سورة الفتح ( 48 ): الآیات 6 الی 10 ]...... ص: 316
وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُشْرِکاتِ الظَّانِّینَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ
( لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِ یراً ( 6) وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ کانَ اللَّهُ عَزِیزاً حَکِیماً ( 7) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً ( 8
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَ بِّحُوهُ بُکْرَةً وَ أَصِ یلًا ( 9) إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ
( نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً ( 10
خمس آیات. ص: 317
قرأ ابن کثیر و ابو عمرو (دائرة السوء) بضم السین. الباقون بفتحها، و قد فسرناه فی ما تقدم. فالسوء المصدر و السوء الاسم. و قال قوم-
بالفتح- الفساد مثل قوله (وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) لأنهم ظنوا أن النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله لا یعود إلی موضع ولادته أبداً. و قرأ ابن کثیر و
ابو عمرو (لیؤمنوا باللَّه و رسوله و یعزروه و یوقروه و سبحوه) بالیاء أربعهن، علی وجه الاخبار من اللَّه عز و جل عن نفسه.
لما اخبر اللَّه تعالی عن نفسه أنه یدخل المؤمنین و المؤمنات جنات، و وصفها اخبر فی هذه الآیۀ انه یعذب المنافقین و المنافقات و هم
الذین یظهرون الایمان و یبطنون الشرك. و النفاق إسرار الکفر و إظهار الایمان، فکل نفاق هو إظهار خلاف الإبطان. و أصله من
نافقاء الیربوع، و هو أن یجعل لسربه بابین یظهر أحدهما و یخفی الآخر، فإذا أتی من الظاهر خرج من الآخر، فالمنافق یقوي الباطل
علی الحق بالظن له، و إلقاء خلافه لتضییعه الدلیل المؤدي الیه، (وَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُشْرِکاتِ) و هم الذین یعبدون مع اللَّه غیره، و یدخل
فی ذلک جمیع الکفار. ثم وصفهم فقال (الظَّانِّینَ بِاللَّهِ) یعنی الذین یظنون باللَّه (ظن السوء) أي یتوهمون ان اللَّه ینصرهم علی رسوله،
و ذلک قبیح لا یجوز وصف اللَّه بذلک. ثم قال تعالی (عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) فالدائرة هی الراجعۀ بخیر او شرّ قال حمید بن ثور:
و من قرأ (دائرة السوء) بضم السین- أراد دائرة العذاب. و من قرأ- بالفتح- أراد ما عاد علیهم من قتل «1» و دائرات الدهر ان تدورا
المؤمنین و غنمهم أموالهم، فهذا حسن.
و قیل (عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أي جزاء ظنهم السوء من العذاب. و من ضم أراد الشر، و یقال: رجل سوء- بالفتح- أي رجل فساد. ثم قال
__________________________________________________
543 او 551 / 1) قد مر فی 3 )
ص: 318
صفحۀ 160 من 296
(وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ) أي لعنه لهم و عذابه (و لعنهم) أي أبعدهم من رحمته. و قوله (وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ) یجعلهم فیها.
ثم قال (وَ ساءَتْ مَصِیراً) أي ساءت جهنم مآلا و مرجعاً، لما فیها من انواع العقاب.
و قوله (وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ کانَ اللَّهُ عَزِیزاً حَکِیماً) قد فسرناه، و إنما أعید ذکر (و للَّه جنود...) لأنه متصل بذکر
المنافقین أي و له الجنود التی یقدر علی الانتقام منکم بها، و ذکر أولا، لأنه متصل بذکر المؤمنین أي له الجنود التی یقدر ان یغنیکم
فی جمیع أفعاله. ثم خاطب نبیه محمد صَ لی اللَّهُ « الحکیم » بها. و العزیز القادر الذي لا یقهر. و قیل (هو العزیز) فی انتقامه من أعدائه
یعنی علی أمتک بالبلاغ و الدعاء إلی إخلاص عبادته، أو شاهداً بما عملوه من طاعۀ « شاهداً » یا محمد « إِنَّا أَرْسَلْناكَ » عَلیه و آله فقال
و معصیۀ (و شاهداً) نصب علی حال مقدر علی القول الأول، و علی حال غیر مقدرة علی القول الثانی. (و مبشراً) نصب علی الحال
أي مخوفاً من النار لمن عصی- ذکره قتادة- ثم بین الغرض بالإرسال، فقال: « و نذیراً » الحاصلۀ. و المعنی و مبشراً بالجنۀ لمن أطاع
و من قرأ- بالتاء- وجه الخطاب إلی الخلق أي .« باللَّه » و من قرأ- بالیاء- أي لیؤمنوا هؤلاء الکفار « لتؤمنوا » أرسلناك بهذه الصفۀ
أي تنصروه، فالهاء راجعۀ إلی النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و قال « تعزروه » فتصدقوه و « و رسوله » فتوحدوه « لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ » أرسلته إلیکم
أي تعظموه یعنی النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله- فی قول « و توقروه » المبرد: معنی (تعزروه) تعظموه یقال: عزرت الرجل إذا کبرته بلسانک
قتادة- و قال ابن عباس (تعزروه) من الإجلال (و توقروه) من الإعظام.
بُکْرَةً ص: 319 » یعنی اللَّه تعالی أي تنزهوه عما لا یلیق به « و تسبحوه » و قوله
« وَ أَصِیلًا
أي بالغداة و العشی. و قیل معناه تصلوا له بالغدوات و العشیات.
فیه دلالۀ علی بطلان قول المجیرة إن اللَّه تعالی یرید من الکفار الکفر، لأنه تعالی بین أنه أراد من جمیع « لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ » و قوله
المکلفین الطاعۀ، و لم یرد أن یعصوا.
فالمراد بالبیعۀ المذکورة- هاهنا- بیعۀ الحدیبیۀ، و هی بیعۀ الرضوان- فی قول قتادة و « إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ » ثم قال
مجاهد- و المبایعۀ معاقدة علی السمع و الطاعۀ، کالمعاقدة فی البیع و الشراء بما قد مضی فلا یجوز الرجوع فیه. و قیل: إنها معاقدة
علی بیع أنفسهم بالجنۀ للزومهم فی الحرب النصرة.
قیل فی معناه قولان: « یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ » و قوله
أحدهما- عقد اللَّه فی هذه البیعۀ فوق عقدهم لأنهم بایعوا اللَّه ببیعۀ نبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و الآخر- قوة اللَّه فی نصرة نبیه صَلی اللَّهُ
عَلیه و آله فوق نصرتهم.
و قیل ید اللَّه فی هدایتهم، فوق أیدیهم بالطاعۀ.
و النکث النقض للعقد الذي یلزم الوفاء به، فبین تعالی أن من نقض هذه المبایعۀ، فإنما « فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ » و قوله
وَ مَنْ أَوْفی یقال: اوفی بالعقد، و وفی. و أوفی لغۀ الحجاز، و هی » ینکث علی نفسه، لان ما فی ذلک من استحقاق العقاب عائد علیه
أي إذا اوفی بالبیعۀ و نصر دینه و نبیه آتاه اللَّه فی ما بعد أجراً عظیماً و ثواباً جزیلا. « بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً » لغۀ القرآن
و هو حفص، فلأنها الأصل. و من کسرها فللمجاورة للیاء « علیه » و من ضم الهاء فی
قوله تعالی:[سورة الفتح ( 48 ): الآیات 11 الی 15 ]..... ص: 319
سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَ غَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللَّهِ
شَیْئاً إِنْ أَرادَ بِکُمْ ضَ  را أَوْ أَرادَ بِکُمْ نَفْعاً بَلْ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً ( 11 ) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلی أَهْلِیهِمْ أَبَداً
وَ زُیِّنَ ذلِکَ فِی قُلُوبِکُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً ( 12 ) وَ مَنْ لَمْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ سَ عِیراً ( 13 ) وَ لِلَّهِ
صفحۀ 161 من 296
مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً ( 14 ) سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلی مَغانِمَ
لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْکُمْ یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا کَذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَ یَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ کانُوا لا یَفْقَهُونَ
( إِلاَّ قَلِیلًا ( 15
ص: 320
خمس آیات.
علی التوحید، لأنه یدل علی الکثیر من حیث هو اسم جنس، قال « کَلامَ اللَّهِ » علی الجمع. الباقون « کلم اللَّه » قرأ اهل الکوفۀ إلا عاصماً
یقع علی ما یفید، و الکلم یقع أیضاً علی الکلام، و علی ما لا یفید و الکلم جمع کلمۀ. « کلام اللَّه » ابو علی
بالفتح. الباقون بالضم. فمن قرأ- بالفتح- أراد المصدر. و من قرأ بالضم أراد الاسم. و قیل بالفتح ضد « ضراً » و قرأ حمزة و الکسائی
النفع و بالضم سوء ص: 321
و یقال: ضرنی الشیء و أضرنی، و لا یقال: «1» « مَسَّنِیَ الضُّرُّ » الحال، کقوله
أضربی، و ضره یضره و ضاره یضیره بمعنی واحد.
قال ابن إسحاق و مجاهد: لما « الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ » یا محمد « سَیَقُولُ لَکَ » هذا اخبار عن اللَّه تعالی لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله انه
أراد رسول اللَّه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله الخروج إلی مکۀ عام الحدیبیۀ أحرم بعمرة و دعا الاعراب الذین حول المدنیۀ إلی الخروج،
فتثاقلوا: أسلم و غفار و جهینۀ و مزینۀ، فأخبر اللَّه تعالی بذلک. و المخلف هو المتروك فی المکان خلف الخارجین عن البلد، و هو
مشتق من المتخلف و ضده المتقدم. تقول خلفته کما تقول قدمته تقدیماً، و إنما تخلفوا لتثاقلهم عن الجهاد و إن اعتذروا بشغل
الأموال و الأولاد. و الاعراب الجماعۀ من عرب البادیۀ، و عرب الحاضرة لیسوا بأعراب، ففرقوا بینهما، و إن کان اللسان واحد.
أخبار بما اعتلوا به، فالشغل قطع العمل عن عمل، لا یمکن الجمع بینهما لتنافی أسبابهما کالکتابۀ و « شَ غَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا » و قوله
حکایۀ ما قالوه للنبی و سألوه أن یستغفر لهم و « فَاسْتَغْفِرْ لَنا » الرمی عن القوس و اللَّه لا یشغله شأن عن شأن لأنه لا یعمل بآلۀ. و قوله
الاستغفار طلب المغفرة بالدعاء مع التوبۀ عن المعاصی فهؤلاء سألوا الدعاء بالمغفرة، و فی قلوبهم خلاف ما أظهروه بأفواههم
.« یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ » ففضحهم اللَّه و هتک أستارهم، و أیدي ما نافقوا به فی جهادهم، فقال
لا « أَوْ أَرادَ بِکُمْ نَفْعاً » لا یقدر احد علی دفعه « قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِنْ أَرادَ بِکُمْ ضَ  را » ثم قال للنبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله
یقدر احد علی إزالته
__________________________________________________
1) سورة 21 الأنبیاء آیۀ 83 )
ص: 322
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ » أي عالماً نافعاً لکم لا یخفی علیه شیء منها، ثم قال له قل لهم « بَلْ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً »
زینه الشیطان « وَ زُیِّنَ ذلِکَ فِی قُلُوبِکُمْ » أي ظننتم انهم لا یرجعون و یقتلون و یصطلمون. و هو قول قتادة « الْمُؤْمِنُونَ إِلی أَهْلِیهِمْ أَبَداً
و البور الفاسد « وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً » فی هلاك النبی و المؤمنین، و إن اللَّه ینصر علیهم المشرکین « وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ » ذلک و سوّله لکم
و هو معنی الجمع و ترك جمعه فی اللفظ لأنه مصدر وصف به قال حسان:
«1» لا ینفع الطول من نوك القلوب و قد یهدي الاله سبیل المعشر
أي فاسدین. و قال مجاهد: « بوراً » : البور و البوار الهلاك و بارت السلعۀ إذا کسدت و البائر من الفاکهۀ مثل الفاسدة. و قال قتادة
أي ناراً تسعرهم و « فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ سَ عِیراً » أي لم یصدق بهما « وَ مَنْ لَمْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ » هالکین. ثم قال تعالی مهدداً لهم
معاصیه (وَ « یَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ » بأن یتصرف فیهما کما یشاء لا یعترض أحد علیه فیها « وَ لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ » تحرقهم. ثم قال
صفحۀ 162 من 296
یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ) إذا استحق العقاب بارتکاب القبائح (وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً) أي سائراً علی عباده معاصیهم إذا تابوا لا یفضحهم بها
رحیماً بإسقاط عقابهم الذي استحقوها بالتوبۀ علی وجه الابتداء.
ثم قال تعالی (سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلی مَغانِمَ لِتَأْخُ ذُوها) یعنی غنائم خیبر (ذَرُونا نَتَّبِعْکُمْ) أي اترکونا نجیء معکم، فقال اللَّه
تعالی (یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللَّهِ قُلْ) لهم یا محمد (لَنْ تَتَّبِعُونا کَ ذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) قال مجاهد و قتادة: یعنی ما وعد به أهل
الحدیبیۀ أن غنیمۀ خیبر لهم خاصۀ، فأرادوا تغییر ذلک بأن یشارکوهم فیها فمنعهم اللَّه من ذلک. و قال ابن زید: أراد بقوله
__________________________________________________
45 / 1) تفسیر الطبري 26 )
ص: 323
(لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُ  وا) و هذا غلط لأن هذه الآیۀ نزلت فی الذین تأخروا عن تبوك بعد خیبر و بعد فتح مکۀ،
فقال اللَّه تعالی لهم (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً) لان النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله لم یخرج بعد ذلک فی قتال و لا غزو الی أن قبضه اللَّه
تعالی. ثم قال (کَ ذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) أي مثل ذلک حکم اللَّه و قال ابن زید: غنیمۀ خیبر لأهل الحدیبیۀ خاصۀ لا یشرکهم فیها
أحد. ثم حکی ما قالوه بأنهم (فسیقولون) عند ذلک لیس الأمر کذلک (بل تحسدوننا) فقال لیس الأمر علی ما قالوه (بَلْ کانُوا لا
یَفْقَهُونَ) الحق و ما یدعون الیه (إلا قلیلا) و قیل معناه لا یفقهون الحق إلا القلیل منهم، و هم المعاندون. و قال بعضهم لا یفقهون إلا
فقها قلیلا أو الأشیاء قلیلا. و إنما قالوا: تحسدوننا، لان المسلمین لما توجهوا إلی خیبر و أخذوا غنائمها، قال المخلفون (ذَرُونا نَتَّبِعْکُمْ)
قالوا نعم علی ان لا شیء لکم من الغنیمۀ، فقالوا عند ذلک تحسدوننا، فقال تعالی (بَلْ کانُوا لا یَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِیلًا).
قوله تعالی:[سورة الفتح ( 48 ): الآیات 16 الی 20 ]..... ص: 323
قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلی قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا کَما
تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذاباً أَلِیماً ( 16 ) لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ
یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِیماً ( 17 ) لَقَدْ رَضِ یَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ
ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَۀَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً ( 18 ) وَ مَغانِمَ کَثِیرَةً یَأْخُ ذُونَها وَ کانَ اللَّهُ عَزِیزاً حَکِیماً ( 19 ) وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغانِمَ
( کَثِیرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَکُمْ هذِهِ وَ کَفَّ أَیْدِيَ النَّاسِ عَنْکُمْ وَ لِتَکُونَ آیَۀً لِلْمُؤْمِنِینَ وَ یَهْدِیَکُمْ صِراطاً مُسْتَقِیماً ( 20
ص: 324
خمس آیات.
قرأ اهل المدینۀ، و ابن عامر (ندخله و نعذبه) بالنون علی وجه الاخبار من اللَّه عن نفسه. الباقون- بالیاء- رداً علی اسم اللَّه. یقول اللَّه
تعالی لنبیه (قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرابِ) أي لهؤلاء المخلفین الذین تخلفوا عنک فی الخروج إلی الحدیبیۀ (ستدعون) فی ما بعد (إِلی
قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ) قال ابن عباس: أولوا البأس الشدید أهل فارس. و قال ابن أبی لیلی و الحسن: هم الروم. و
قال سعید بن جبیر و عکرمۀ و قتادة: هم هوازن بحنین. و قال الزهري:
هم بنو حنیفۀ مع مسیلمۀ الکذاب، و کانوا بهذه الصفۀ.
و استدل جماعۀ من المخالفین بهذه الآیۀ علی إمامۀ أبی بکر، من حیث ان أبا بکر دعاهم إلی قتال بنی حنیفۀ، و عمر دعاهم إلی قتال
فارس و الروم، و کانوا قد حرموا القتال مع النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله بدلیل قوله (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً، وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُ  وا) و هذا
الذي ذکروه غیر صحیح من وجهین:
أحدهما- أنه غلط فی التاریخ و وقت نزول الآیۀ.
صفحۀ 163 من 296
، و الثانی- أنه غلط فی التأویل، و نحن نبین فساد ذلک أجمع، و لنا فی الکلام فی تأویل الآیۀ وجهان: التبیان فی تفسیر القرآن، ج 9
ص: 325
أحدهما- إنه تنازع فی اقتضائها داعیاً یدعو هؤلاء المخلفین غیر النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و یبین أن الداعی لهم فی ما بعد کان النبی
صَلی اللَّهُ عَلیه و آله علی ما حکیناه عن قتادة و سعید ابن جبیر فی ان الآیۀ نزلت فی اهل خیبر، و کان النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله هو
الداعی إلی ذلک.
و الآخر- ان یسلم ان الداعی غیره، و نبین انه لم یکن أبا بکر و لا عمر بل کان أمیر المؤمنین علیه السّلام.
فاما الوجه الاول فظاهر، لأن قوله (سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ) إلی قوله (وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) قد بینا انه أراد به الذین تخلفوا عن الحدیبیۀ
بإجماع المفسرین ثم قال (سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ....) إلی آخر الآیۀ، فبین أن هؤلاء المخلفین سألوا ان یخرجوا إلی غنیمۀ خیبر
فمنعهم اللَّه من ذلک، و أمر نبیه صَلی اللَّهُ عَلیه و آله ان یقول لهم (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا....) إلی هذه القریۀ، لأن اللَّه تعالی حکم من قبل بأن
غنیمۀ خیبر لمن شهد الحدیبیۀ و انه لا حظ فیها لمن لم یشهدها، و هذا هو معنی قوله (یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللَّهِ) و قوله (کَذلِکُمْ
قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) ثم قال (قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلی قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ) و إنما أراد الرسول
سیدعوهم فی ما بعد إلی قتال قوم بهذه الصفۀ، و قد دعاهم بعد ذلک إلی غزوات کثیرة. و قال قوم: أولی بأس شدید، کموقعه حنین
و تبوك و غیرها، فمن أین یجب أن یکون الداعی لهم غیر النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله فأما قولهم إن معنی قوله (کَ ذلِکُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ
قَبْلُ) هو انه أراد قوله (فَإِنْ رَجَعَکَ اللَّهُ إِلی طائِفَۀٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُ  وا) مملؤ
بالغلط الفاحش فی التاریخ، لأنا قد بینا أن هذه الآیۀ التی فی التوبۀ نزلت ب (تبوك) سنۀ تسع. و آیۀ سورة الفتح نزلت سنۀ ست،
، فکیف تکون قبلها، و ینبغی لمن تکلم فی تأویل القرآن أن یرجع إلی التاریخ و یراعی اسباب نزول التبیان فی تفسیر القرآن، ج 9
ص: 326
الآیۀ علی ما روي، و لا یقول علی الآراء و الشهوات. و تبین أیضاً أن هؤلاء المخلفین غیر أولئک، و إن لم یرجع إلی تاریخ. و نقول
قوله (فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَ ناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا کَما تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذاباً أَلِیماً) فلم یقطع علی طاعۀ، و لا علی معصیۀ بل
ذکر الوعد و الوعید علی ما یتعلق به من طاعۀ او معصیۀ و حکم المذکورین فیهم فی سورة التوبۀ، بخلافه لأنه تعالی قال بعد قوله
فاختلاف أحکامهم یدل علی اختلافهم، و قد حکینا «1» ( (إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ) إلی قوله (وَ هُمْ کافِرُونَ
عن سعید بن جبیر انه قال هذه الآیۀ نزلت فی هوازن یوم حنین. و قال الضحاك: هم ثقیف، و قال قتادة:
هم هوازن و ثقیف، و أما الوجه الذي یسلم معه أن الداعی غیر النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله فهو ان نقول الداعی أمیر المؤمنین علیه
السّلام، لأنه قاتل بعده أهل الجمل و صفین و أهل النهروان، و بشره النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله بقتالهم، و کانوا أولی بأس شدید، فان
قالوا من قاتلهم علی علیه السّلام کانوا مسلمین، و فی الآیۀ قال تقاتلونهم او یسلمون! کیف تتناولهم الآیۀ؟! قلنا: أول ما نقوله: إنهم غیر
مسلمین عندنا، و لا عند جمیع من خالفنا من المعتزلۀ، لأن عندهم صاحب الکبیرة لیس بمؤمن، و لا مسلم. و أما مذهبنا فی تکفیر من
قاتل علیاً علیه السّلام معروف، و قد ذکرناه فی کتب الامامۀ
لقوله صَلی اللَّهُ عَلیه و آله (حربک یا علی حربی)
و غیر ذلک من الاخبار و الادلۀ التی ذکرناها فی غیر موضع و استوفینا ما یتعلق بذلک فی کتاب الامامۀ، و یمکن علی تسلیم أن
الداعی أبو بکر و عمر، أن یقال: لیس فی الآیۀ ما یدل علی مدح الداعی و لا علی إمامته، لأنه قد یدعو إلی الحق من لیس علیه، و
یجب ذلک من حیث کان واجباً من
__________________________________________________
86 - 1) سورة 9 التوبۀ آیۀ 84 )
صفحۀ 164 من 296
ص: 327
أجل دعاء الداعی، و ابو بکر دعاهم إلی الدفاع عن الإسلام، و هذا واجب علی کل واحد بلا دعاء داع، و یمکن ان یکون المراد
بقوله (ستدعون) دعاء اللَّه لهم بإیجاب القتال علیهم، لأنه إذا دلهم علی وجوب قتال المرتدین و دفعهم عن بیضۀ الإسلام، و قد
دعاهم إلی القتال و وجبت علیهم طاعته، و الکلام فی هذه الآیۀ کالتی قبلها فی أنا إذا قلنا لا تدل علی إمامۀ الرجلین، لا نکون طاعنین
علیهما، بل لا یمتنع أن یثبت فضلهما و إمامتهما بدلیل غیر الآیۀ، لأن المحصلین من العلماء یذهبون إلی إمامتهما من جهۀ الاخبار لا
من جهۀ الآیۀ.
و قوله (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ) بالرفع معناه إن احد الأمرین لا بد أن یقع لا محالۀ، و تقدیره أو هم یسلمون. و قرئ شاذاً بالنصب، و
الوجه فیه حتی یسلموا و لو نصبه، فقال او یسلموا لکان دالا علی ان ترك القتال من أجل الإسلام.
و قوله (لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ...) الآیۀ، فالأعمی هو من لا یبصر بجارحۀ العین. و الأعرج الذي برجله آفۀ تمنعه من المشی مأخوذ
من رفعها عند محاولۀ المشی بغیرها، و منه العروج الصعود إلی السماء، و المریض من به علۀ تمنعه من الحرکۀ من اضطراب فی البدن
حتی یضعف و تحصل فیه آلام، بین اللَّه تعالی انه لیس علی وجه هؤلاء الذین بهم هذه الآفات من ضیق و لا حرج فی ترك الحصول
مع المؤمنین و الحضور معهم فی الجهاد. قال قتادة: کل ذلک فی الجهاد. ثم قال (وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ) فی ما أمره به و نهاه عنه
(یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ یَتَوَلَّ) عن اتباعهما و امتثال أمرهما و نهیهما (یعذبه) اللَّه (عَذاباً أَلِیماً) فمن قرأ بالیاء رده
إلی اللَّه. و من قرأ بالنون أراد الاخبار من اللَّه عن نفسه.
و قوله (لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) إخبار ص: 328
من اللَّه تعالی انه رضی عن الذین بایعوا تحت الشجرة النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و کانوا مؤمنین فی الوقت الذي بایعوه (فَعَلِمَ ما فِی
قُلُوبِهِمْ) من إیمان و نفاق فرضی عن المؤمنین و سخط علی المنافقین. و قیل معناه فعلم ما فی قلوبهم من صدق النیۀ فی القتال و
کراهتهم له، لأنه بایعهم علی القتال- ذکره مقاتل- (فَأَنْزَلَ السَّکِینَۀَ عَلَیْهِمْ) یعنی علی المؤمنین، و السکینۀ الصبر لقوة البصیرة (وَ أَثابَهُمْ
فَتْحاً قَرِیباً) قال قتادة و ابن أبی لیلی: یعنی فتح خیبر و قال قوم: فتح مکۀ (وَ مَغانِمَ کَثِیرَةً یَأْخُ ذُونَها) فالغیمۀ ملک أموال اهل الحرب
من المشرکین بالقهر و الغلبۀ فی حکمه تعالی، و کان القتال من أجلها. و (المغانم) هاهنا یراد به غنائم خیبر.
و قوله (وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغانِمَ کَثِیرَةً تَأْخُ ذُونَها) یعنی سائر الغنائم و قال قوم: أراد بها ایضاً غنائم خیبر. و قوله (فَعَجَّلَ لَکُمْ هذِهِ) یعنی
الصلح و سمیت بیعۀ الرضوان لقول اللَّه تعالی (لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ) و قال ابن عباس کان سبب بیعۀ الرضوان بالحدیبیۀ تأخر
عثمان حین بعثه النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله إلی قریش أنهم قتلوه، فبایعهم علی قتال قریش، و قال ابن عباس: کانوا ألفاً و خمسمائۀ
نفس. و قال جابر: کانوا ألفاً و أربعمائۀ نفس، و قال ابن أوفی ألفاً و ثلاثمائۀ. و الشجرة التی بایعوا تحتها هی السمرة.
و استدل بهذه الآیۀ جماعۀ علی فضل أبی بکر، فانه لا خلاف أنه کان من المبایعین تحت الشجرة. و قد ذکر اللَّه أنه رضی عنهم، و انه
أنزل السکینۀ علیهم و انه علم ما فی قلوبهم من الایمان، و أثابهم فتحاً قریباً.
و الکلام علی ذلک مبنی علی القول بالعموم، و فی أصحابنا من قال لا صیغۀ للعموم ینفرد بها. و به قال کثیر من المخالفین، فمن قال
بذلک کانت الآیۀ عنده مجملۀ لا یعلم المعنی بها، و قد بایع النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله جماعۀ من المنافقین بلا خلاف، فلا بد التبیان
فی تفسیر القرآن، ج 9، ص: 329
من تخصیص الآیۀ علی کل حال. علی انه تعالی وصف من بایع تحت الشجرة بأوصاف قد علمنا أنها لم تحصل فی جمیع المبایعین،
فوجب أن یختص الرضا بمن جمع الصفات لأنه قال (فَعَلِمَ ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِینَۀَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً) و لا خلاف بین أهل
النقل ان الفتح الذي کان بعد بیعۀ الرضوان بلا فصل هو فتح خیبر. و
ان رسول اللَّه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله عند ذلک قال: (لأعطین الرایۀ غداً رجلا یحب اللَّه و رسوله و یحبه اللَّه و رسوله کرّاراً غیر فرار، لا
صفحۀ 165 من 296
یرجع حتی یفتح اللَّه علی یده) فدعا علیاً فأعطاه الرایۀ، و کان الفتح علی یده
، فوجب ان یکون هو المخصوص بحکم الآیۀ، و من کان معه فی ذلک الفتح لتکامل الصفات فیهم. علی ان ممن بایع بیعۀ الرضوان
طلحۀ و الزبیر، و قد وقع منهما من قتال علی علیه السلام ما خرجا به عن الایمان و فسقا عند جمیع المعتزلۀ و من جري مجراهم، و لم
یمنع وقوع الرضاء فی تلک الحال من مواقعۀ المعصیۀ فی ما بعد، فما الذي یمنع من مثل ذلک فی غیره. و لیس إذا قلنا:
أن الآیۀ لا تختص بالرجلین، کان طعناً علیهما بل إذا حملناها علی العموم دخلا، و کل متابع مؤمن معهما، فکان ذلک أولی.
و قوله (مَغانِمَ کَثِیرَةً تَأْخُ ذُونَها) یعنی ما غنمتموه من خیبر من انواع الغنائم (وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً) بمصالح عباده (حکیماً) فی جمیع أفعاله.
ثم قال (وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغانِمَ کَثِیرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَکُمْ هذِهِ) یعنی غنائم خیبر. و الباقی کل ما یغنمه المسلمون من دار الحرب (وَ کَفَّ
أَیْدِيَ النَّاسِ عَنْکُمْ) یعنی أسداً و غطفان، فإنهم کانوا مع خیبر فصالحهم النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله فکفوا عنه. و قیل: یعنی الیهود کف
أیدیهم عنکم بالمدینۀ من قبل الحدیبیۀ و مجیء قریش، فلم یغلبوکم (وَ لِتَکُونَ آیَۀً لِلْمُؤْمِنِینَ) یستدلون بها علی صحۀ قولکم (و
یهدیکم) أي و یرشدکم (صِراطاً ص: 330
مُسْتَقِیماً)
یفضی بکم إلی الحق و ما یؤدي إلی الثواب. و الواو فی قوله (و لتکون) معناه إنا وعدناکم الغنائم لکف أیدي الناس عنکم و لیکون
ذلک آیۀ للمؤمنین إذ وقع الخبر علی ما أخبر به، لأنه علم غیب لا یعلمه إلا اللَّه.
قوله تعالی:[سورة الفتح ( 48 ): الآیات 21 الی 25 ]..... ص: 330
وَ أُخْري لَمْ تَقْدِرُوا عَلَیْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیراً ( 21 ) وَ لَوْ قاتَلَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا یَجِ دُونَ
وَلِیا وَ لا نَصِیراً ( 22 ) سُنَّۀَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّۀِ اللَّهِ تَبْدِیلًا ( 23 ) وَ هُوَ الَّذِي کَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ عَنْهُمْ
بِبَطْنِ مَکَّۀَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَکُمْ عَلَیْهِمْ وَ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِ یراً ( 24 ) هُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَ دُّوکُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ
مَعْکُوفاً أَنْ یَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِیبَکُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَیْرِ عِلْمٍ لِیُدْخِلَ اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ
( مَنْ یَشاءُ لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً ( 25
خمس آیات.
بالیاء علی الخبر. الباقون بالتاء علی الخطاب لما ذکر اللَّه تعالی انه وعد المؤمنین مغانم کثیرة « بما یعملون بصیراً » قرأ ابو عمرو
یأخذونها و انه عجل لهم هذه منها، یعنی غنائم خیبر و عدهم بالغنائم الأخر، فقال (وَ أُخْري لَمْ تَقْدِرُوا عَلَیْها) أي التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 9، ص: 331
و غنیمۀ أخري- عن ابن عباس و الحسن- إنها فارس و الروم. و قال قتادة:
هی مکۀ (قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها) أي قدر اللَّه علیها و أحاط بها علماً فجعلهم بمنزلۀ ما قد أدبر حولهم بما یمنع ان یفلت احد منهم (وَ کانَ
اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیراً) أي ما یصح أن یکون مقدوراً له، فهو قادر علیه. ثم قال (وَ لَوْ قاتَلَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا) یعنی من قریش یا معشر
المؤمنین (لولوا الأدبار) منهزمین بخذلانه إیاهم و نصرة اللَّه إیاکم، و معونته لکم- فی قول قتادة- (ثم لا یجدون) یعنی الکفار (ولیاً)
بوالیهم (و لا نصیراً) یدفع عنهم.
و قوله (سُنَّۀَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) معناه سنۀ اللَّه جاریۀ فی خذلانه أهل الکفر و نصرة أهل الایمان فی ما مضی من الأمم السالفۀ،
أي لن تجد لسنۀ اللَّه ما یدفعها فالسنۀ الطریقۀ المستمرة فی معنی و من « لِسُنَّۀِ اللَّهِ تَبْدِیلًا » و نصره هو أمره بالقتال (و لن تجد) یا محمد
ذلک
قوله صَلی اللَّهُ عَلیه و آله (من سن سنۀ حسنۀ فله أجرها و أجر من عمل بها. و من سن سنۀ سیئۀ فعلیه إثمها و اثم من عمل بها)
صفحۀ 166 من 296
و التبدیل رفع احد الشیئین و جعل الآخر مکانه، فی ما حکم أن یستمر علی ما هو به و لو رفع اللَّه حکما یأتی بخلافه لم یکن تبدیلا
لحکمه لأنه لا یرفع شیئاً إلا فی الوقت الذي تقتضی الحکمۀ رفعه، و قال ابن عباس: کان المشرکون بعثوا أربعین رجلا لیصیبوا من
بالنهی « وَ أَیْدِیَکُمْ عَنْهُمْ » بالرعب « وَ هُوَ الَّذِي کَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْکُمْ » المسلمین، فأتی بهم رسول اللَّه، فخلی سبیلهم، و هو المراد بقوله
نزلت فی أهل الحدیبیۀ و اهل مکۀ، لا فی أهل خیبر. و قیل لم ینهوا عن قتالهم، لأنهم لا یستحقون القتل بکفرهم و صدهم لکن
یدبرکم « وَ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِ یراً » یعنی فتح مکۀ « بِبَطْنِ مَکَّۀَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَکُمْ عَلَیْهِمْ » للإبقاء علی المؤمنین الذین فی أیدیهم
، وَ صَدُّوکُمْ التبیان فی تفسیر القرآن، ج 9 » أي بوحدانیۀ اللَّه، و هم کفار قریش « هُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا » بحسب ما تقتضیه مصالحکم و قوله
ص: 332
« عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
أي المحل الذي یحل نحره فیه. و المعکوف « وَ الْهَدْيَ مَعْکُوفاً أَنْ یَبْلُغَ مَحِلَّهُ » فی الحدیبیۀ، و صدوکم أن تعتمروا و تطوفوا بالبیت
وَ لَوْ لا » المحبوس أي منعوا الهدي ایضاً لیذبح بمکۀ، لأن هدي العمرة لا یذبح إلا بمکۀ کما لا یذبح هدي الحج إلا بمنی، ثم قال
أَنْ » أي لم تعلموا بایمانهم « لَمْ تَعْلَمُوهُمْ » - مثل ذلک بمکۀ- فی قول قتادة « وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ » بالله و مصدقون بالنبی « رِجالٌ مُؤْمِنُونَ
أي ینالکم أثم لاجلهم من غیر علم منکم بذلک- فی قول ابن زید- و قال قوم: معناه عنت. و « تَطَؤُهُمْ فَتُصِ یبَکُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَیْرِ عِلْمٍ
قال ابن إسحاق: هو غرم الدیۀ فی کفارة قتل الخطأ عتق رقبۀ مؤمنۀ و من لم یطق فصیام شهرین، و هو کفارة قتل الخطأ فی الحرب. و
جواب لولا محذوف، و تقدیره و لولا المؤمنون الذین لم تعلموهم لوطئتم رقاب المشرکین بنصرنا إیاکم. و المعکوف الممنوع من
الذهاب فی جهۀ بالاقامۀ فی مکانه، و منه الاعتکاف، و هو الاقامۀ فی المسجد للعبادة، و عکف علی هذا الأمر یعکف عکوفاً إذا اقام
لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ کَفَرُوا » أي لو تمیز المؤمنون منهم، و قیل لو تفرقوا و المعنی واحد « لِیُدْخِلَ اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ مَنْ یَشاءُ لَوْ تَزَیَّلُوا » علیه. و قوله
بالسیف و القتل و الألیم المؤلم، و « عَذاباً أَلِیماً » یعنی من أهل مکۀ « مِنْهُمْ
کان النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله: ساق سبعین بدنۀ فی عام الحدیبیۀ، و دخل فی العام المقبل لعمرة القضاء فی الشهر الذي صد فیه
ذکره قتادة. «1» « الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ » و نزل قوله
قوله تعالی:[سورة الفتح ( 48 ): الآیات 26 الی 29 ]..... ص: 332
إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّۀَ حَمِیَّۀَ الْجاهِلِیَّۀِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَ کِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَ ۀَ التَّقْوي وَ کانُوا
أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ کانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیماً ( 26 ) لَقَدْ صَ دَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ
مُحَلِّقِینَ رُؤُسَ کُمْ وَ مُقَصِّرِینَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِکَ فَتْحاً قَرِیباً ( 27 ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِینِ
الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً ( 28 ) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً
یَبْتَغُونَ فَضْ لًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجِیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلی سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِیماً
(29) _ _________________________________________________
1) سورة 2 البقرة آیۀ 194 )
ص: 333
أربع آیات.
بفتح الطاء و مثله ابن ذکوان. « شطأه » قرأ ابن کثیر إلا ابن فلیح
صفحۀ 167 من 296
مقصور، الباقون بالمد، و هما لغتان من فعل الشیء و فعله غیره نحو کسبت مالا و کسبنی « فأزره » الباقون بإسکانها. و قرأ اهل الشام
لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ التبیان فی تفسیر القرآن، » متعلق بقوله « إذ جعل » غیري، و نزحت البئر و نزحتها و یقال: أزر النبت و آزره غیره. و قوله
ج 9، ص: 334
« کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّۀَ
الاولی یعنی عصبتهم لآلهتهم من أن یعبدوا غیرها. و قال الزهري: هی انفتهم « حَمِیَّۀَ الْجاهِلِیَّۀِ » یعنی الأنفۀ. ثم فسر تلک الأنفۀ، فقال
من الإقرار لمحمد بالرسالۀ. و الاستفتاح ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ) علی عادته فی الفاتحۀ، حیث أراد ان یکتب کتاب العهد بینهم.
و دخولهم مکۀ لأداء العمرة.
أي فعل به صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله من اللطف و النعمۀ ما سکنت الیه نفسه و صبر علی « فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَ کِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ » ثم قال تعالی
وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَ ۀَ التَّقْوي قال ابن عباس و قتادة: کلمۀ » أي و مثل ذلک فعل بالمؤمنین « وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ » الدخول تحت ما أرادوه منه
یعنی المؤمنین کانوا أهلها و « وَ کانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها » التقوي قول: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. و قال مجاهد: هی کلمۀ الإخلاص
أحق بها. قال الفراء: و رأیتها فی مصحف الحارث بن سوید التمیمی من أصحاب عبد اللَّه (و کانوا أهلها و أحق بها) و هو تقدیم و
تأخیر، و کان مصحفه دفن أیام الحجاج. و قیل:
لأنه قد « أحق » ان التقدیر کانوا أحق بنزول السکینۀ علیهم و أهلًا لها. و قیل: المعنی فکانوا أحق بمکۀ أن یدخلوها و أهلها. و إنما قال
وَ کانَ اللَّهُ » یکون حق أحق من حق غیره، لأن الحق الذي هو طاعۀ یستحق به المدح أحق من الحق الذي هو مباح لا یستحق به ذلک
لما ذم الکفار تعالی بحمیۀ الجاهلیۀ و مدح المؤمنین بالسکینۀ و الزوم الکلمۀ الصادقۀ بین علمه ببواطن أمورهم و ما « بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیماً
تنطوي علیه ضمائرهم إذ هو العالم بکل شیء من المعلومات.
قسم من اللَّه تعالی ان النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله صادق فی قوله انه « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » و قوله
قال قوم التبیان فی « إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ » رأي فی المنام انه یدخل هو و المؤمنون المسجد الحرام، و انه لا بد من کون ذلک. و قوله
تفسیر القرآن، ج 9، ص: 335
تقیید لدخول الجمیع او البعض. و قال قوم: لیس ذلک شرطاً لأنه بشارة بالرؤیا التی رآها النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و طالبه الصحابۀ
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ » ثم استؤنف علی طریق الشرح و التأکید « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ » بتأویلها و حققها. قوله
علی ألفاظ الدین، کأنه قیل بمشیئۀ اللَّه، و لیس ینکر أن یخرج مخرج الشرط ما لیس فیه معنی الشرط، کما یخرج مخرج الأمر ما « اللَّهُ
أي أمرکم اللَّه بها، لأن مشیئۀ اللَّه تعالی بفعل عباده هو « إِنْ شاءَ اللَّهُ » لیس فی معنی الأمر لقرینۀ تصحب الکلام. و قال البلخی: معنی
الآیۀ. «1» «.... وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْءٍ » أمره به. و قال قوم: هو تأدیب لنا، کما قال
احداً فی « لا تَخافُونَ » أي منکم من یحلق رأسه و منکم من یقصر « مُحَلِّقِینَ رُؤُسَ کُمْ وَ مُقَصِّرِینَ » أي بلا خوف علیکم « آمِنِینَ » و قوله
ذلک، و کذلک جري الأمر فی عمرة القضاء و فی السنۀ الثانیۀ للحدیبیۀ. و
روي أن عمر قال لرسول اللَّه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله حیث قاضا اهل مکۀ یوم الحدیبیۀ، و همّ بالرجوع إلی المدینۀ: أ لیس وعدتنا یا
رسول اللَّه أن ندخل المسجد الحرام محلقین و مقصرین، فقال له رسول اللَّه صَلی اللَّهُ عَلیه و آله (قلت لکم إنا ندخلها العلم)؟! فقال:
لا، فقال صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله (فإنکم تدخلونها إن شاء اللَّه) فلما کان فی القابل فی ذي القعدة خرج النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله لعمرة
القضاء، و دخل مکۀ مع أصحابه فی ذي القعدة و اعتمروا، و قام بمکۀ ثلاثۀ ایام، ثم رجع إلی المدینۀ.
أنتم من المصلحۀ فی المقاضاة و إجابتهم إلی ذلک. و قیل المعنی فعلم النبی صَ لی اللَّهُ « ما لَمْ تَعْلَمُوا » یعنی علم اللَّه و « فَعَلِمَ » ثم قال
عَلیه و آله من دخولهم إلی سنۀ ما لم تعلوا معاشر المؤمنین. و قیل: فعلم ان بمکۀ رجالا مؤمنین و نساء مؤمنات لم تعلموهم
__________________________________________________
صفحۀ 168 من 296
1) سورة 18 الکهف آیۀ 24 )
ص: 336
قال ابن زید: یعنی بذلک فتح خیبر. و قال الزهري: هو فتح الحدیبیۀ. « فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِکَ فَتْحاً قَرِیباً »
« وَ دِینِ الْحَقِّ » یعنی الدلیل الواضح، و الحجۀ البینۀ « بالهدي » یعنی محمداً صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ » ثم قال تعالی
قیل بالحجج و البراهین. و قیل: لان الإسلام ظاهر علی الأدیان کلها. و قیل: « لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ » یعنی الإسلام و إخلاص العبادة
إنه إذا خرج المهدي صار الإسلام فی جمیع البشر، و تبطل الأدیان کلها.
ثم قال (وَ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً) بذلک من إظهار دین الحق علی جمیع الأدیان.
ثم اخبر تعالی فقال (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله أرسله إلی خلقه (وَ الَّذِینَ مَعَهُ) من المؤمنین یعنی المصدقین بواحدانیۀ
اللَّه المعترفین بنبوته الناصرین له (أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ) لأنهم یقاتلونهم و یجاهدونهم بنیۀ صادقۀ (رُحَماءُ بَیْنَهُمْ) أي یرحم بعضهم بعضاً
و یتحنن بعضهم علی بعض (تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً) لقیامهم بالصلاة و الإتیان بها، فهم بین راکع و ساجد (یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً)
اي یلتمسون بذلک زیادة نعیمهم من اللَّه و یطلبون مرضاته من طاعۀ و ترك معصیۀ (سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال ابن
عباس: اثر صلاتهم یظهر فی وجوههم.
و قال الحسن. هو السمت الحسن. و قال قوم: هو ما یظهر فی وجوههم من السهر باللیل. و قال مجاهد: معناه علامتهم فی الدنیا من اثر
الخشوع. و قیل:
علامۀ نور یجعلها اللَّه فی وجوههم یوم القیامۀ- فی قول الحسن و ابن عباس و قتادة و عطیۀ- و (ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ) اي وصفهم،
کأنه مثلهم فی التوراة (وَ مَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجِیلِ) اي وصفهم اللَّه فی الإنجیل (کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) یشبههم بالزرع الذي ینبت فی حوالیه
بنات و یلحق به، فالشطأ فراخ الزرع الذي ص: 337
أي عاونه فشد فراخ الزرع لأصول « فَآزَرَهُ » ینبت فی جوانبه و منه شاطئ النهر جانبه، یقال أشطأ الزرع، فهو مشطئ إذا أفرخ فی جوانبه
النبت و قواها یقال أزرت النبت و آزره غیره بالمد، و یقال أزر النبت و ازرته مثل رجع و رجعته و قال ابو الحسن: هما لغتان. و قال ابو
أي صار غلیظاً باجتماع الفراخ « فَاسْتَغْلَظَ » عبیدة: أزره ساواه فصار مثل الأم، و فاعل (آزر) الشطأ أي أزر الشطأ الزرع، فصار فی طوله
و هو جمع ساق و ساق الشجرة حاملۀ الشجر، و هو عوده الذي یقوم علیه، و « عَلی سُوقِهِ » فَاسْتَوي معه أي صار مثل الأم » مع الأصول
هو قصبته. و مثله قوي المحبۀ بما یخرج منها، کما قوي النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله بأصحابه.
قیل: معناه لیغیظ بالنبی و أصحابه الکفار المشرکین. و وجه ضرب « لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ » یعنی الذین زرعوا ذلک « یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ » و قوله
هذا المثل بالزرع الذي أخرج شطأه هو ان النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله حین ناداهم إلی دینه کان ضعیفاً فأجابه الواحد بعد الواحد حتی
کثر جمعه و قوي أمره کالزرع یبدو بعد البذر ضعیفاً فیقوي حالا بعد حال حتی یغلظ ساقه و فراخه، و کان هذا من أصح مثل و
یرید بالکفار- هاهنا- الزراع واحدهم کافر، لأنه یغطی «1» « کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعْجَبَ الْکُفَّارَ نَباتُهُ » أوضح بیان و قال البلخی: هو کقوله
البذر، و کل شیء غطیته فقد کفرته.
و منه قولهم: تکفر بالسلاح. و قیل: لیل کافر لأنه یستر بظلمته کل شیء قال الشاعر:
یعنی من عرف اللَّه و وحده « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا » أي غطاها. ثم قال «2» فی لیلۀ کفر النجوم غمامها
__________________________________________________
[.....] 1) سورة 57 الحدید آیۀ 20 )
60 / 2) مر فی 1 )
ص: 338
صفحۀ 169 من 296
قیل: انه بیان یخصهم « الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ » مع ذلک الاعمال « وَ عَمِلُوا » و أخلص العبادة له و آمن بالنبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و صدقه
بالوعد دون غیرهم. و قیل یجوز ان یکون ذلک شرطاً فیمن أقام علی ذلک منهم، لان من خرج عن هذه الأوصاف بالمعاصی فلا
یوم القیامۀ. « عَظِیماً » أي ثواباً « وَ أَجْراً » أي ستراً علی ذنوبهم الماضیۀ « مَغْفِرَةً » یتناوله هذا الوعد
بالهمزة. الباقون بلا همزة، و هو الأصح. قال ابو علی: من همز فعلی قولهم (أحب المؤقدین إلی « علی سؤقه » و قرأ ابن کثیر وحده
موسی) و استعمال السوق فی الزرع مجاز.
ص: 339
-49 سورة الحجرات..... ص: 339
اشارة
إلی آخرها. و قال قوم: کلها مدنیۀ، و هی ثمان عشر آیۀ بلا «... یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ » مدینۀ إلا آیۀ واحدة و هی قوله تعالی
خلاف.
[سورة الحجرات ( 49 ): الآیات 1 الی 5]..... ص: 339
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ ( 1) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِیِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِ کُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ( 2) إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْ واتَهُمْ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ ( 3) إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَکَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَکْثَرُهُمْ لا
( یَعْقِلُونَ ( 4
( وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّی تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ ( 5
خمس آیات.
بفتح التاء و الدال. الباقون بضم التاء و کسر الدال ص: 340 « لا تقدموا » قرأ یعقوب
فی الحکم أو فی الأمر قبل « لا تقدموا » من التقدیم. و قیل: انهما لغتان. قدم و تقدم مثل عجل و تعجل و قال ابن عباس و الحسن: الآیۀ
کلامه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله- بفتح الدال و التاء- و قال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة العید یوم النحر، فأمروا باعادة ذبیحۀ اخري. و قال
الزجاج: المعنی لا تقدموا أعمال الطاعۀ قبل الوقت الذي أمر اللَّه و النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله به حتی قیل: لا یجوز تقدم الزکاة قبل
وقتها. و قال قوم:
کانوا إذا سألوا عن شیء قالوا فیه قبل النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله نهوا عن ذلک، و الأولی حمل الآیۀ علی عمومها فیقال: کل شیء إذا
فعل کان خلافاً للَّه و رسوله فهو تقدم بین أیدیهما فیجب المنع من جمیع ذلک.
هذا خطاب من اللَّه تعالی للمؤمنین الذین اعترفوا بتوحیده و إخلاص عبادته و أقروا بنبوة نبیه محمد صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله ینهاهم أن
یتقدموا بین یدي النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله بأن یفعلوا خلاف ما أمر به او یقولوا فی الأحکام قبل ان یقول او یخالفوا أوقات العبادة،
بما « عَلِیمٌ » لما یقولونه « إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ » فان جمیع ذلک تقدم بین یدیه، و أمرهم ان یتقوا اللَّه بأن یجتنبوا معاصیه و یفعلوا طاعاته
علی وجه الاستخفاف به صَلی اللَّهُ عَلیه و آله، « لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ » ینطوون علیه و یضمرونه. ثم أمرهم ثانیاً بأن قال
فان مجاهد و قتادة قالا: جاء أعراب أجلاف من بنی تمیم، فجعلوا ینادون من وراء الحجرات: یا محمد اخرج إلینا، و لو أن إنساناً رفع
صفحۀ 170 من 296
وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ » صوته علی صوت النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله علی وجه التعظیم له و الاجابۀ لقوله لم یکن مأثوماً. و قد فسّر ذلک بقوله
فان العادة جاریۀ أن من کلم غیره و رفع صوته فوق صوته أن ذلک علی وجه الاستخفاف به، فلذلک « بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِ کُمْ لِبَعْضٍ
نهاهم عنه.
و جهر الصوت أشد من الهمس، و یکون شدیداً و ضعیفاً و وسطاً. و الجهر ظهور الصوت بقوة الاعتماد، و منه الجهارة فی المنطق. و
یقال: نهاراً جهاراً، و جاهر ص: 341
بالأمر مجاهرة. و نقیض الجهر الهمس.
ثم بین تعالی انهم متی فعلوا ذلک بان یرفعوا الصوت علی صوت النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله علی الوجه الذي قلناه أن یحبط أعمالهم،
و التقدیر لا ترفعوا أصواتکم لأن لا تحبط قال الزجاج: و یکون اللام لام العاقبۀ، و المعنی یحبط ثواب ذلک العمل، لأنهم لو أوقعوه
علی وجه الاستحقاق لاستحقوا به الثواب، فلما فعلوه علی خلاف ذلک استحقوا علیه العقاب، وفاتهم ذلک الثواب فذاك إحباط
أعمالهم، فلا یمکن أن یستدل بذلک علی صحۀ الإحباط فی الآیۀ علی ما یقوله أصحاب الوعید، و لأنه تعالی علق الإحباط فی الآیۀ
بنفس العمل، و أکثر من خالفنا یعلقه بالمستحق علی الأعمال، و ذلک خلاف الظاهر.
إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ » ثم مدح تعالی من کان بخلاف من یرفع الصوت بین یدي النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله، فقال
اعظاماً للنبی و إجلالا له، و الغض الحط من منزلۀ علی وجه التصغیر له بحالۀ، یقال: غض فلان عن فلان إذا ضعف حاله عن حال « اللَّهِ
من هو أرفع منه، و غض بصره إذا ضعف عن حدة النظر، و غض صوته إذا ضعف عن الجهر، و قال جریر:
«1» فغض الطرف إنک من نمیر فلا کعباً بلغت و لا کلاباً
الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي أي لاخلاص التقوي فعاملهم » یعنی الذین یغضون أصواتهم عند رسول اللَّه هم « أُولئِکَ » ثم قال
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي أخلصها- فی قول مجاهد و قتادة- و قال قوم: » معاملۀ المختبر کما یمتحن الذهب لا خلاص جیده. و قیل
معناه أولئک الذین علم اللَّه التقوي فی قلوبهم، لان الامتحان یراد به العلم، فعبر عن العلم بالامتحان.
__________________________________________________
69 / 1) دیوانه و الطبري 26 )
ص: 342
علی أفعالهم و طاعاتهم ثم خاطب النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله علی وجه الذم « وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ » من اللَّه لذنوبهم « لَهُمْ مَغْفِرَةٌ » ثم قال تعالی
و هی جمع « مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ » یا محمد « إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَکَ » لمن یرفع صوته من أجلاف الاعراب علی النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله
حجرة و کل (فعلۀ) بضم الفاء یجمع بالألف و التاء، لأنه لیس بجمع سلامۀ محضۀ إذ ما یعقل من الذکر ألحق به، لأنه اشرف المعنیین،
فهو أحق بالتفصیل، قال الشاعر:
«1» اما کان عباد کفیاً لدارم بلی و لأبیات بها الحجرات
أي بلی و لبنی هاشم. و قرأ ابو جعفر الحجرات بفتح الجیم. قال المبرد:
أبدل من الضمۀ الفتحۀ استثقالا لتوالی الضمتین، و منهم من أسکن مثل (عضد و عضد) و قال ابو عبیدة: جمع حجرة و غرفۀ یقال:
حجرات و غرفات.
لأنهم بمنزلۀ البهائم لا یعرفون مقدار النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و ما یستحقه من التوقیر و التعظیم. و قیل: « أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ » ثم قال
إن الذین رفعوا أصواتهم علی النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله قوم من بنی تمیم. و فی قراءة ابن مسعود (أکثرهم بنو تمیم لا یعقلون).
من أن ینادونک من وراء الحجرات (وَ اللَّهُ « لَکانَ خَیْراً لَهُمْ » من منزلک « حَتَّی تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ » فلم ینادوك « وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا » ثم قال
غَفُورٌ رَحِیمٌ) أي ساتر لذنوبهم إن تابوا منها لان ذلک کفر لا یغفره اللَّه إلی بالتوبۀ
صفحۀ 171 من 296
قوله تعالی:[سورة الحجرات ( 49 ): الآیات 6 الی 10 ]..... ص: 342
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِ یبُوا قَوْماً بِجَهالَۀٍ فَتُصْ بِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ ( 6) وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِیکُمْ رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ یُطِیعُکُمْ فِی کَثِیرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْ یانَ أُولئِکَ
هُمُ الرَّاشِدُونَ ( 7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَۀً وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ ( 8) وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی
الْأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَ تَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 9) إِنَّمَا
( الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ ( 10
__________________________________________________
69 / 1) الطبري 26 )
ص: 343
خمس آیات.
قوله (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) خطاب من اللَّه- عز و جل- للمؤمنین بأنه (إذا جاءکم فاسق) و هو الخارج من طاعۀ
اللَّه إلی معصیته (بنبإ) أي بخبر عظیم الشأن (فتبینوا) صدقه من کذبه و لا تبادروا إلی العمل بمتضمنه (أَنْ تُصِ یبُوا قَوْماً بِجَهالَۀٍ) لأنه
ربما کان کاذباً و خبره کذباً، فیعمل به فلا یؤمن بذلک و قال ابن عباس و مجاهد و یزید بن رومان و قتادة و ابن أبی لیلا: نزلت الآیۀ
فی الولید ابن عقبۀ بن أبی معیط، لما بعثه رسول اللَّه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله فی صدقات بنی المصطلق خرجوا یتلقونه فرحاً به و إکراماً
له، فظن أنهم هموا بقتله، فرجع إلی النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله فقال: انهم منعوا صدقاتهم، و کان الأمر بخلافه.
و فی الآیۀ دلالۀ علی أن خبر الواحد لا یوجب العلم و لا العمل، لأن المعنی إن جاءکم فاسق بالخبر الذي لا تأمنون أن یکون کذباً
، فتوقفوا فیه، و هذا التعلیل موجود فی خبر العدل، لان العدل علی الظاهر یجوز أن یکون کاذباً فی خبره، التبیان فی تفسیر القرآن، ج 9
ص: 344
فالأمان غیر حاصل فی العمل بخبره. و فی الناس من استدل به علی وجوب العمل بخبر الواحد إذا کان راویه عدلا، من حیث انه
أوجب تعالی التوقف فی خبر الفاسق، فدل علی أن خبر العدل لا یجب التوقف فیه. و هذا الذي ذکروه غیر صحیح، لأنه استدلال
بدلیل الخطاب و دلیل الخطاب لیس بدلیل عند جمهور العلماء. و لو کان صحیحاً فلیست الآیۀ بأن یستدل بدلیلها علی وجوب العمل
بخبر الواحد إذا کان عدلا بأولی من ان یستدل بتعلیلها فی دفع الأمان من أن یصاب بجهالۀ إذا عمل بها علی ان خبر العدل مثله، علی
أنه لا یجب العمل بخبر الواحد، و إن کان راویه عدلا.
فان قیل: هذا یؤدي إلی أن لا فائدة فی إیجاب التوقف فی خبر الفاسق إذا کان خبر العدل مثله فی الفائدة.
قلنا: و القول بوجوب العمل بخبر الواحد یوجب أنه لا فائدة فی تعلیل الآیۀ فی خبر الفاسق الذي یشارکه العدل فیه، فإذا تقابلا سقط
الاستدلال بها علی کل حال و بقی الأصل فی انه لا یجوز العمل بخبر الواحد إلا بدلیل.
و من قرأ (تبینوا) أراد تعرفوا صحۀ متضمن الخبر الذي یحتاج إلی العمل علیه، و لا تقدموا علیه من غیر دلیل، یقال: تبین الأمر إذا
ظهر، و تبین هو نفسه بمعنی واحد، و یقال ایضاً: تبینته إذا عرفته. و من قرأ (فتثبتوا)- بالتاء و الثاء- أراد توقفوا فیه حتی یتبین لکم
صحته.
و قوله (فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) معناه متی عملتم بخبر الواحد و بان لکم کذب راویه أصبحتم نادمین علی ما فعلتموه.
ثم خاطبهم یعنی المؤمنین فقال (و اعلموا) معاشر المؤمنین (أَنَّ فِیکُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ یُطِیعُکُمْ فِی کَثِیرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) و معناه لو فعل ما
تریدونه فی کثیر من ص: 345
صفحۀ 172 من 296
الأمور (لعنتم) أي أصابکم عنت و مکروه، یقال: أعنت الرجل إذا حملت علیه عامداً لما یکره، یقال: أعنته فعنت، و سمی موافقته لما
یریدونه طاعۀ لهم مجازاً لأن الطاعۀ یراعی فیها الرتبۀ، فلا یکون المطیع مطیعاً لمن دونه، و إنما یکون مطیعاً لمن فوقه إذا فعل ما أمره
به، ألا تري انه لا یقال فی اللَّه تعالی: إنه مطیع لنا إذا فعل ما أردناه. و یقال فینا إذا فعلنا ما أراده اللَّه: انه مطیع. و النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و
آله فوقنا فلا یکون مطیعاً لنا، فإطلاق ذلک مجاز.
و قوله (وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ) بما وعد من استحقاق الثواب علیه (وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ) بنصب الأدلۀ علی صحته (وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ
الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْ یانَ) بما وصفه من العقاب علیه- و هو قول الحسن- و فی الآیۀ دلالۀ علی أن أضداد الایمان ثلاثۀ کفر و
فسوق و عصیان.
ثم قال (أولئک) یعنی الذین وصفهم اللَّه بالایمان، و زین الایمان فی قلوبهم و انه کره الیهم الفسوق و غیره (هم الراشدون) أي
المهتدون إلی طریق الحق الذین أصابوا الرشد.
ثم قال (فَضْ لًا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَ ۀً) أي فعل اللَّه ذلک بهم فضلا منه علی خلقه و نعمۀ مجددة، و هو نصب علی المفعول له- فی قول
الزجاج- (وَ اللَّهُ عَلِیمٌ) بالأشیاء کلها (حکیم) فی جمیع أفعاله.
ثم قال (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا) یقتل بعضهم بعضاً (فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما) حتی یصطلحا، و قرأ یعقوب (بین إخوتکم) حمله علی
أنه جمع (أخ) أخوة لأن الطائفۀ جمع. و من قرأ علی التثنیۀ رده إلی لفظ الطائفتین، و قرأ زید ابن ثابت و ابن سیرین و عاصم
الجحدري (بین أخویکم) و المعانی متقاربۀ. ص: 346
و قوله (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ) لا یدل علی أنهما إذا اقتتلا بقیا علی الایمان، و یطلق علیهما هذا الاسم، بل لا یمتنع ان یفسق احد
الطائفتین او یفسقا جمیعاً، و جري ذلک مجري ان تقول: و إن طائفۀ من المؤمنین ارتدت عن الإسلام فاقتلوها. ثم قال (فَإِنْ بَغَتْ
إِحْداهُما عَلَی الْأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ) أي فان بغت إحدي الطائفتین علی الأخري بأن تطلب ما لا یجوز لها و تقابل
الأخري ظالمۀ لها متعدیۀ علیها (فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی) لأنها هی الظالمۀ المتعدیۀ دون الاخري (حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللَّهِ) أي حتی ترجع
إلی أمر اللَّه و تترك قتال الطائفۀ المؤمنۀ. ثم قال (فان فاءت) أي رجعت و تابت و أقلعت و أنابت إلی طاعۀ اللَّه (فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما)
یعنی بینها و بین الطائفۀ التی کانت علی الایمان و لم تخرج عنه بالقول، فلا تمیلوا علی واحدة منهما (و أقسطوا) أي اعدلوا (إِنَّ اللَّهَ
یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) یعنی العادلین، یقال: أقسط إذا عدل، و قسط إذا جار. قال اللَّه تعالیَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَکانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)
.«1»
و قیل: إن الآیۀ نزلت فی قبیلتین من الأنصار وقع بینهما حرب و قتال- ذکره الطبري-.
ثم اخبر تعالی (إنما المؤمنون) الذین یوحدون اللَّه تعالی و یعملون بطاعاته و یقرون بنبوة نبیه و یعملون بما جاء به (أخوة) یلزمهم
نصرة بعضهم بعضاً (فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ) یعنی إذا رجعا جمیعاً إلی الحق و ما أمر اللَّه به (وَ اتَّقُوا اللَّهَ) أي اجتنبوا معاصیه و افعلوا
طاعته و اتقوه فی مخالفتکم (لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ) معناه لکی ترحمون لان (لعل) بمعنی الشک و الشک لا یجوز علی اللَّه تعالی، قال
الزجاج: سموا المؤمنین إذا کانوا متفقین فی دینهم بأنهم أخوة، لاتفاقهم فی الدین و رجوعهم إلی اصل النسب
__________________________________________________
1) سورة 72 الجن آیۀ 15 )
ص: 347
لأنهم لآدم و حواء.
قوله تعالی:[سورة الحجرات ( 49 ): الآیات 11 الی 15 ]..... ص: 347
صفحۀ 173 من 296
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَکُمْ وَ
لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِیمانِ وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 11 ) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُ کُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَ دُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِیمٌ ( 12 ) یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ
13 ) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ وَ إِنْ تُطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لا یَلِتْکُمْ مِنْ )
أَعْمالِکُمْ شَیْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ( 14 ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ یَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ
( اللَّهِ أُولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( 15
خمس آیات. ص: 348
قرا اهل البصرة (لا یألتکم) بالهمزة. الباقون (لا یلتکم) بلا همزة، و هما لغتان، یقال: ألت یألت إذا أنقص، و لات یلیت مثل ذلک. و
فی المصحف بلا الف و قال الشاعر:
«1» و لیلۀ ذات ندي سریت و لم یلتنی عن سراها لیت
أي ما نقصناهم. و قرأ یعقوب (میتاً) «2» ( و معنی الآیۀ لا ینقصکم من أعمالکم شیئاً، و منه قوله (وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْءٍ
بالتشدید. الباقون بالتخفیف. و التشدید الأصل، و هو مثل سید و سید.
یقول اللَّه مخاطباً للمؤمنین الذین وحدوه و أخلصوا العبادة له و صدقوا نبیه و قبلوا ما دعاهم اللَّه الیه (لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) و معناه لا
یهزأ به و یتلهی منه، و قال مجاهد: لا یسخر غنی من فقیر لفقره بمعنی لا یهزأ به، و السخریۀ بالاستهزاء و لو سخر المؤمن من الکافر
معناه إنا نجازیکم «3» ( احتقاراً له لم یکن بذلک مأثوماً، فأما فی صفات اللَّه، فلا یقال إلا مجازاً کقوله (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ کَما تَسْخَرُونَ
جزاء السخریۀ.
ثم قال (عسی أن یکونوا خیراً منهم) لأنه ربما کان الفقیر المهین فی ظاهر الحال خیراً عند اللَّه و أجل منزلۀ و اکثر ثواباً من الغنی
الحسن الحال. و قال الجیائی: یجوز ان یکونوا خیراً منهم فی منافع الدنیا، و کثرة الانتفاع بهم. و قوله (وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) أي و لا
یسخر نساء من نساء علی هذا المعنی (عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ) و یقال: هذا خیر من هذا بمعنی أنفع منه فی ما یقتضیه العقل، و
کذلک کان نسب رسول اللَّه صَلی اللّهُ علیه و آله خیر من نسب غیره، ثم قال (وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَکُمْ)
__________________________________________________
.445 / 82 و قد مر فی 6 / 1) تفسیر الطبري 26 )
2) سورة 52 الطور آیۀ 21 )
3) سورة 11 هود آیۀ 38 )
بیان فی تفسیر القرآن، ج 9، ص: 349
فاللمز هو الرمی بالعیب لمن لا یجوز ان یؤذي بذکره، و هو المنهی عنه، فأما ذکر عیبه، فلیس بلمز، و
روي انه صَلی اللَّهُ عَلیه و آله قال (قولوا فی الفاسق ما فیه کی یحذره الناس)
و قال الحسن: فی صفۀ الحجاج أخرج إلینا نباتاً قصیراً قل ما عرفت فیها إلا عنه فی سبیل اللَّه ثم جعل یطبطب بشعیرات له، و یقول: یا
با سعید. و لو کان مؤمناً لما قال فیه ذلک. و قال ابن عباس و قتادة: معناه لا یطعن بعضکم علی بعض کما قال (وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَ کُمْ)
لان المؤمنین کنفس واحدة، فکأنه بقتله أخاه قاتل نفسه. «1»
و قوله (وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) قال ابو عبیدة: الانباز و الألقاب واحد فالنبز القذف باللقب، نهاهم اللَّه أن یلقب بعضهم بعضاً. و قال
الضحاك: معناه کل اسم او صفۀ یکره الإنسان أن یدعی به، فلا یدع به. و إنما یدعی بأحب أسمائه الیه. و قوله (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ
صفحۀ 174 من 296
بَعْدَ الْإِیمانِ) لا یدل علی ان المؤمن لا یکون فاسقاً لأن الایمان و الفسق لا یجتمعان، لأن ذلک یجري مجري ان یقال: بئس الحال
الفسوق مع الشیب علی ان الظاهر یقتضی ان الفسوق الذي یتعقب الایمان بئس الاسم، و ذلک لا یکون إلا کفراً، و هو بئس الاسم.
ثم قال (وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ) یعنی من معاصیه و یرجع إلی طاعۀ اللَّه و مات مصراً (فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الذین ظلموا نفوسهم بأن فعلوا ما
یستحقون به العقاب.
ثم خاطبهم ایضاً فقال (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) أي صدقوا بوحدانیته (اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ) و إنما قال (کثیراً) لان فی جملته ما یجب
العمل علیه، و لا یجوز مخالفته، و قوله (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فالظن الذي یکون إثماً
__________________________________________________
1) سورة 4 النساء آیۀ 28 )
ص: 350
إنما هو ما یفعله صاحبه و له طریق إلی العلم بدلا منه مما یعمل علیه، فهذا ظن محرم لا یجوز فعله، فأما ما لا سبیل له إلی دفعه بالعلم
بدلا منه، فلیس بإثم، فلذلک کان بعض الظن أثم، دون جمیعه، و الظن المحمود قد بینه اللَّه و دل علیه فی قوله (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ
و قیل: یلزم المؤمن أن یحسن الظن به و لا یسیء الظن فی شیء یجد له تأویلا جمیلا، و «1» ( ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَیْراً
إن کان ظاهره القبیح. و متی فعل ذلک کان ظنه قبیحاً.
و قوله (و لا تجسسوا) أي لا تتبعوا عثرات المؤمن- فی قول ابن عباس و مجاهد و قتادة- و قال ابو عبیدة التجسس و التحسس واحد و
هو التبحث یقال:
رجل جاسوس، و الجاسوس و الناموس واحد. و قیل للمؤمن حق علی المؤمن ینافی التجسس عن مساوئه. و قیل: یجب علی المؤمن
أن یتجنب ذکره المستور عند الناس بقبیح، لان علیهم أن یکذبوه و یردّوا علیه، و إن کان صادقاً عند اللَّه، لان اللَّه ستره عن الناس، و
إنما دعی اللَّه تعالی المؤمن إلی حسن الظن فی بعضهم ببعض للألفۀ و التناصر علی الحق، و نهوا عن سوء الظن لما فی ذلک من
التقاطع و التدابر.
و قوله (وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً) فالغیبۀ ذکر العیب بظهر الغیب علی وجه تمنع الحکمۀ منه. و
یروي فی الخبر إذا ذکرت المؤمن بما فیه مما یکرهه اللَّه، فقد اغتبته و إذا ذکرته بما لیس فیه، فقد بهته.
و قوله (أَ یُحِبُّ أَحَ دُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ) معناه ان من دعی إلی أکل لحم أخیه فعافته نفسه، فکرهته من جهۀ طبعه،
فانه ینبغی إذا دعی إلی عیب أخیه فعافته نفسه من جهۀ عقله، فینبغی أن یکرهه، لأن داعی العقل أحق بأن یتبع من داعی الطبع لان
داعی الطبع أعمی و داعی العقل بصیر، و کلاهما
__________________________________________________
1) سورة 24 النور آیۀ 12 )
ص: 351
فی صفۀ الناصح، و هذا من أحسن ما یدل علی ما ینبغی ان یجتنب من الکلام.
و فی الکلام حذف، و تقدیره أ یحب أحدکم ان یأکل لحم أخیه میتاً فیقولون: لا، بل عافته نفوسنا، فقیل لکم فکرهتموه، فحذف
لدلالۀ الکلام علیه. و قال الحسن:
معناه فکما کرهتم لحمه میتاً فاکرهوا غیبته حیاً، فهذا هو تقدیر الکلام.
و المعنی أ لم نشرح، قد «1» ( و قوله (وَ اتَّقُوا اللَّهَ) معطوف علی هذا الفعل المقدر، و مثله (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَكَ وَ وَضَ عْنا عَنْکَ
شرحنا فحمل الثانی علی معنی الأول، لأنه لا یجوز ان یقول أ لم وضعنا عنک.
صفحۀ 175 من 296
ثم قال (وَ اتَّقُوا اللَّهَ) باجتناب معاصیه و فعل طاعاته (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ) أي قابل لتوبۀ من یتوب الیه (رحیم) بهم.
ثم قال (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) قال قتادة: نزلت الآیۀ فی اعراب مخصوصین انهم قالوا (آمنا) أي صدقنا باللَّه و أقررنا بنبوتک یا محمد، و
کانوا بخلاف ذلک فی بواطنهم، فقال اللَّه تعالی لنبیه (قل) لهم (لم تؤمنوا) علی الحقیقۀ فی الباطن (وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) أي استسلمنا
خوفاً من السبی و القتل- و هو قول سعید بن جبیر و ابن زید- ثم بین فقال (وَ لَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ) بل أنتم کفار فی الباطن.
ثم قال لهم (وَ إِنْ تُطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ) و ترجعوا إلی ما یأمرانکم به من طاعۀ اللَّه و الانتهاء عن معاصیه (لا یَلِتْکُمْ مِنْ أَعْمالِکُمْ شَیْئاً)
أي لا ینقصکم من جزاء أعمالکم شیئاً (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) أي ساتر لذنوبهم إذا تابوا رحیم بهم فی قبول توبتهم.
ثم وصف المؤمن علی الحقیقۀ فقال (إنما المؤمنون) علی الحقیقۀ (الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ) و صدقوا و أخلصوا بتوحیده (و رسوله) أي و
أقروا بنبوة نبیه
__________________________________________________
2 - 1) سورة 94 الانشراح آیۀ 1 )
ص: 352
(ثُمَّ لَمْ یَرْتابُوا) أي لم یشکوا فی شیء من أقوالهما (وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ) ثم قال (أُولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فی
أقوالهم دون من یقول بلسانه ما لیس فی قلبه.
مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی یعنی آدم و حوا علیهما » بأجمعکم « إِنَّا خَلَقْناکُمْ » خطاب للخلق کافۀ من ولد آدم یقول لهم « یا أَیُّهَا النَّاسُ » و قوله
السلام و قال مجاهد:
فالشعوب النسب الأبعد، و القبائل الأقرب- فی قول « وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ » خلق اللَّه الولد من ماء الرجل و ماء المرأة بدلالۀ الآیۀ
مجاهد و قتادة- و قیل الشعوب أعم، و القبائل أخص. و قال قوم: الشعوب الأفخاذ و القبائل اکثر منهم. و الشعوب جمع شعب، و هو
الحی العظیم، و القبائل مأخوذ من قبائل الرأس، و قبائل الحقبۀ التی یضم بعضها إلی بعض، فاما الحی العظیم المستقر بنفسه فهو شعب،
قال ابن احمر:
«1» من شعب همدان او سعد العشیرة او خولان او مذحج جواله طرباً
معناه جعلکم کذلک لتعارفوا، فیعرف بعضکم بعضاً. و من قرأ بالیاء مشددة، أدغم أحداهما فی « لتعارفوا » و القبائل جمع قبیلۀ. و قوله
لمعاصیه، و أعملکم بطاعته قال البلخی: اختلف الناس فی « إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ » الأخري. و من خفف حذف أحداهما. ثم قال
فضیلۀ النسب، فأنکرها قوم، و أثبتها آخرون و القول عندنا فی ذلک انه لیس احد أفضل من مؤمن تقی، فان الحسب و النسب و
الشرف لا یغنیان فی الدین شیئاً، لأن لهما فضلا کفضل الخز علی الکرباس و الکتان علی البهاري و کفضل الشیخ علی الشاب. فان
الطبائع مبنیۀ و الإجماع واقع علی أن شیخا و شاباً لو استویا فی الفضل فی الدین لقدم الشیخ علی الشاب
__________________________________________________
80 نسبۀ الی ابن عمر الباهلی و روایته (هاجراً له) بدل (جواله) / 1) الطبري 26 )
ص: 353
و زید فی تعظیمه و تبجیله، و کذلک الأب و الابن لو استویا فی الفضل فی الدین لقدم الأب، و کذلک السید و عبده. و هذا مما لا
خلاف فیه بین العقلاء، و کذلک لو أن رجلین استویا فی الدین ثم کان أحدهما له قرابۀ برسول اللَّه أو بالخیار الصالحین لوجب أن
یقدم المتصل برسول اللَّه و بالصالح، و یزاد إکرامه فی تعظیمه و تبجیله، و کذلک إذا استویا و کان فی آباء أحدهما أنبیاء ثلاثۀ و
أربعۀ، و کان فی آباء الآخر نبی واحد کان الأول مستحقاً للتقدیم، و کذلک لو کان لأحدهم أب نبی إلا انه من الأنبیاء المتقدمین، و
کان ابو الآخر هو النبی الذي بعث إلینا کان الثانی أعظم حقاً و أحق بالتقدیم، و کذلک لو کان أحدهما له آباء معروفون بالفضل و
صفحۀ 176 من 296
الأخلاق الجمیلۀ و الأفعال الشریفۀ و بالوقار و بالنجدة و الأدب و العلم کانت الطبائع مبنیۀ علی تقدیمه علی الآخر. فان قیل: الطبائع
مبنیۀ علی تقدیم ذوي المال فیجب ان یکون الغنی و کثرة المال شرفاً. قلنا: کذلک هو لا ننکر هذا و لا ندفعه. فان قیل:
إذا کان لأحدهما مال لا یبذل، و الآخر قلیل المال یبذل قدر ما یملکه من الحقوق و یضعه فی مواضعه؟ قلنا الباذل أفضل من الذي لا
یبذل. و إنما تکلمنا فی الرجلین إذا استویا فی خصالهما و فضل أحدهما کثرة المال و کان واضعاً له فی موضعه بإذلاله فی حقوقه و
کذلک لو أن رجلا کان ذا حسب و شرف فی آبائه إلا انه کان فاسقاً او سخیفاً او وضیعاً فی نفسه کان الذي لا حسب له و هو عفیف
نبیل أفضل منه بالأوصاف التی لا تخفی. و کان حسب ذلک السخیف مما یزیده و بالا، و معنی الحسب أنه یحسب لنفسه آباء أشرافاً
فضلا، و عمومۀ و أخوة- انتهی کلام البلخی-.
ص: 354 « خبیر » یعنی بمن یعمل طاعاته و یتقی معاصیه « إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ » و قوله
علی الحقیقۀ الذین « أُولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ » بذلک لا یخفی علیه شیء من ذلک. ثم وصف المؤمنین الذین تقدم ذکرهم فقال
یستحقون ثواب اللَّه تعالی.
قوله تعالی:[سورة الحجرات ( 49 ): الآیات 16 الی 18 ]..... ص: 354
قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِینِکُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ ( 16 ) یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا
عَلَیَّ إِسْلامَکُمْ بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ( 17 ) إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بَصِ یرٌ بِما
( تَعْمَلُونَ ( 18
ثلاث آیات.
بالیاء علی الغیبۀ. الباقون بالتاء علی الخطاب. « بما یعملون » قرأ ابن کثیر وحده
أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِینِکُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ اللَّهُ » لهؤلاء الکفار « قل » یقول اللَّه تعالی لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله
فالتعلیم تعریض من لا یعلم حتی یعلم بافهام المعنی او خلق العلم له فی قلبه، فعلی هذا لا یجوز ان یعلم العالم لنفسه « بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ
الذي یعلم المعلومات کلها بنفسه، و لا یحتاج إلی من یعلمه و لا إلی علم یعلم به، کما انه من یکون قدیماً بنفسه استغنی عن موجد
یوجده، و إنما یحتاج إلی التعلیم من یجوز أن یعلم و ألا یعلم، و من یخفی علیه شیء دون شیء، ففی الآیۀ دلالۀ علی ان العالم بکل
إنا « أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِینِکُمْ » وجه لا یجوز ان یعلم. و المعنی بالآیۀ هم الذین ذکرهم فی الآیۀ الأولی و بین أنهم منافقون لقول اللَّه لهم
آمنا بالله و برسوله، و هو تعالی یعلم منکم خلاف ذلک من الکفر و النفاق، فلفظه لفظ الاستفهام و المراد التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 9، ص: 355
به الإنکار.
فَلَهُمْ أَجْرٌ » فالمن القطع بإیصال النفع الموجب للحق، و منه قوله « یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا » ثم خاطب نبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله فقال
أي غیر مقطوع، و منه قولهم: المنۀ تکدر الصنیعۀ و قیل: إذا کفرت النعمۀ حسنت المنۀ. و من لا أحد إلا و هو محتاج «1» « غَیْرُ مَمْنُونٍ
الیه، فلیس فی منه تکدیر النعمۀ، لان الحاجۀ لازمۀ لامتناع أن یستغنی عنه بغیره. و اکثر المفسرین علی ان الآیۀ نزلت فی المنافقین. و
قال الحسن: نزلت فی قوم من المسلمین قالوا: أسلمنا یا رسول اللَّه قبل ان یسلم بنو فلان، و قاتلنا معک بنی فلان. و قال الفراء: نزلت
فی اعراب من بنی أسد قدموا علی النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله بعیالاتهم طمعاً فی الصدقۀ، و کانوا یقولون أعطنا، فانا أتیناك بالعیال و
« ب أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ » بأنواع نعمه و « بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ » الأثقال و جاءتک العرب علی ظهور رواحلها، فأنزل اللَّه فیهم الآیۀ. ثم قال
فی إیمانکم الذي تدعونه. « إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ » و أرشدکم الیه بما نصب لکم من الأدلۀ علیه و رغبکم فیه
و متی کنتم صادقین یجب أن تعلموا ان المنۀ لله علیکم فی إیمانکم، لا لکم علی اللَّه و رسوله.
صفحۀ 177 من 296
و هو مفعول به. و قیل: موضعه الجر، لأن تقدیره بأن اسلموا. ثم قال إن اللَّه یعلم غیب السموات « یمنوا » نصب ب « أَنْ أَسْلَمُوا » و موضع
و الأرض و اللَّه بصیر بما یعملون من طاعۀ و معصیۀ و إیمان و کفر فی باطن او ظاهر لا یخفی علیه شیء من ذلک.
__________________________________________________
1) سورة 95 التین آیۀ 6 )
ص: 356
-50 سورة ق..... ص: 356
اشارة
مکیۀ بلا خلاف:و هی خمس و أربعون آیۀ بلا خلاف.
[سورة ق ( 50 ): الآیات 1 الی 5]..... ص: 356
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِیدِ ( 1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْکافِرُونَ هذا شَیْءٌ عَجِیبٌ ( 2) أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا تُراباً ذلِکَ رَجْعٌ بَعِیدٌ ( 3
( قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا کِتابٌ حَفِیظٌ ( 4
( بَلْ کَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِی أَمْرٍ مَرِیجٍ ( 5
لم یعد أحد (ق) آیۀ، و کذلک نظائره مثل (ن) و (ص) لأنه من المفرد، و کل مفرد فانه لا یعد لعبده عن شبه الجملۀ. و أما المرکب
فما أشبه الجملۀ و وافق رؤس الآي، فانه یعد مثل (طه) و (حم) و (ألم) و ما أشبه ذلک.
و (قاف) قیل هو اسم للجبل المحیط بالأرض. و قیل: هو اسم من اسماء السورة و مفتاحها علی ما بیناه فی حروف المعجم. و هو
الأقوي. و قیل: (ق) من قضی الأمر و (حم) من حم أي دنا.
قسم من اللَّه تعالی بالقرآن. و جواب القسم محذوف، و تقدیره لحق الأمر الذي وعدتم به انکم لمبعوثون، تعجبوا « و القرآن » و قوله
أَ إِذا مِتْنا ص: 357 » فقالوا
« وَ کُنَّا تُراباً
! و قیل: تقدیره: و رب القرآن. و استدل بذلک علی حدوثه، و هو خلاف الظاهر. و المجید العظیم الکرم. و وصف القرآن و بعثه بأنه
مجید معناه أنه عظیم القدر عالی الذکر. و یقال مجد الرجل و مجد مجداً و هما لغتان إذا عظم کرمه و أمجد کرمت فعاله، و المجید
فی اسم اللَّه تعالی العظیم الکرم، و مجده خلقه: عظموه بکرمه، و رجل ماجد عظیم الکرم. و تماجد القوم تماجداً، و ذلک إذا تفاخروا
بإظهار مجدهم. و المجد مأخوذ من قولهم: مجدت الإبل مجوداً، و ذلک إذا عظمت بطونها لکثرة أکلها من کلأ الربیع. و أمجد القوم
إبلهم و ذلک فی الربیع، کأنهم أصابوا أکلًا عظیماً کریماً قال الشاعر:
«1» رفعت مجد تمیم باهلال لها رفع الطراف علی العلیاء بالعمد
اخبار منه تعالی عن حال الکافرین الذین بعث اللَّه الیهم « بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْکافِرُونَ هذا شَیْءٌ عَجِیبٌ » و قوله
النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله من کفار قریش و غیرهم مخوفاً لهم من معاصیه و ترك طاعاته باستحقاق العقاب علی ذلک و انه تعالی
سیبعثهم و یجازیهم علی ذلک بعد الموت، فقال الکافرون جواباً لهذا القول:
هذا شیء عجیب، و التعجب بثیر النفس تعظیم الأمر الخارج عن العادة الذي لا یقع بسببه معرفۀ، یقال عجب عجباً و تعجب تعجباً،
صفحۀ 178 من 296
فالذي یتعجب منه عجب.
و قیل: العجب هو کل ما لا یعرف علته و لا سببه، و أفحش العجب التعجب مما لیس بعجب علی طریق الإنکار للحق، لأنه یجتمع فیه
سببا القبیح، فهؤلاء تعجبوا من مجیء النذیر من اللَّه تعالی الیهم ففد فحشوا غایۀ التفحش، مع انه مما یعظم ضرر الجهل به. ثم قالوا
ذلِکَ رَجْعٌ » أیضاً فی الجواب عن ذلک ائذا متنا و خرجنا من کوننا أحیاء و کنا تراباً یبعثنا اللَّه!؟ و حذف لدلالۀ الکلام علیه. ثم قالوا
« بَعِیدٌ
__________________________________________________
34 / 1) مر فی 6 )
ص: 358
أي علمنا الذي تأکل « قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ » أي یبعد عندنا أن نبعث بعد الموت، لان ذلک غیر ممکن، فقال اللَّه تعالی
أي ممتنع الذهاب بالبلی و الدروس، کل ذلک ثابت فیه و لا « وَ عِنْدَنا کِتابٌ حَفِیظٌ » الأرض من لحومهم، لا یخفی علینا شیء منه
یعنی بالنبی و القرآن الذي جاء به دالا علی صدقه، و « بَلْ کَ ذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ » یخفی منه شیء و هو اللوح المحفوظ ثم قال
بالبعث و النشور، الذي أنذرهم به فهم فی أمر مریج أي مختلط ملتبس واصله إرسال الشیء مع غیره فی المرج من قولهم: مرج الخیل
و لا یختلطان. « یَلْتَقِیانِ » أرسلهما فی مرج « مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ » الذکور مع الإناث و هو مرج بالخیل أي المسرح الذي یمرج فیه، و
أي مرسل الشعاع بانتشاره. قال ابو ذؤیب « مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ » و قوله
«1» فحالت فالتمست به حشاها فخر کأنه غصن مریج
أي قد التبس بکثرة تشعبه و مرجت عهودهم و أمرجوها أي خلطوها، و لم یفوا بها. و قال ابو عبیدة: مرج أمر الناس إذا اختلط، قال ابو
ذؤیب
(فخر کأنه خوط مریج) أي سهم مختلط الأمر باضطرابه، فهؤلاء الکفار حصلوا فی أمر مختلط ملتبس من أمر النبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و
آله، فقالوا تارة هو مجنون و أخري هو کاهن و أخري هو شاعر، فلم یثبتوا علی شیء واحد، فلذلک کانوا فی أمر مریج.
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 6 الی 11 ]..... ص: 358
أَ فَلَمْ یَنْظُرُوا إِلَی السَّماءِ فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْناها وَ زَیَّنَّاها وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ ( 6) وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَیْنا فِیها رَواسِیَ وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ
زَوْجٍ بَهِیجٍ ( 7) تَبْصِرَةً وَ ذِکْري لِکُلِّ عَبْدٍ مُنِیبٍ ( 8) وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَکاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِ یدِ ( 9) وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ
( لَها طَلْعٌ نَضِیدٌ ( 10
( رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْیَیْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً کَذلِکَ الْخُرُوجُ ( 11
__________________________________________________
86 و روایته / 1) الطبري 26 )
(فحط کأنه حوط مریج) [.....]
ص: 359
ست آیات.
لما حکی اللَّه تعالی عن الکفار أنهم کذبوا بالحق الذي هو القرآن و جحدوا البعث و النشور و الثواب و العقاب، و تعجبوا من ذلک
أَ فَلَمْ یَنْظُرُوا إِلَی السَّماءِ فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْناها وَ » نبههم اللَّه تعالی علی ذلک و بین لهم الطریق الذي إذا نظروا فیه علموا صحته، فقال
و معناه أ فلم یفکروا فی بناء هذه السماء و عظمها، و حسن تزیینها فیعلموا أن لها بانیاً بناها و صانعاً صنعها و انه لا بد أن یکون « زَیَّنَّاها
صفحۀ 179 من 296
قادراً علیها، و انه لا یعجزه شیء، لأنه لا یقدر علی مثل ذلک إلا القادر لنفسه الذي لا یجوز علیه العجز و یعلمه، لأنه عالم بما یرون
یعنی حسنا صورتها بما خلقنا فیها من النجوم الثاقبۀ و الشمس « وَ زَیَّنَّاها » من إحکام الصنعۀ فیها و انه الذي لا یخفی علیه خافیۀ و قوله
أي لیس فیها فتوق یمکن السلوك فیها و إنما یسلکها الملائکۀ بأن یفتح لها أبواب السماء إذا عرجت « ما لَها مِنْ فُرُوجٍ » و القمر، و انه
الیها.
فیمن نصب و لو رفع کان «1» « وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ » أي بسطناها، و تقدیره و مددنا الأرض مددناها، کما قال « وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها » ثم قال
جائزاً، و النصب أحسن- هاهنا- لکونه معطوفا علی بنیناها، فعطف الفعل علی الفعل احسن.
قال « وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ » أي طرحنا جبالا تمنعها من الحرکۀ لیتمکن استقرار الحیوان علیها « وَ أَلْقَیْنا فِیها رَواسِیَ » ثم قال
ابن زید: البهیج الحسن المنظر و البهجۀ الحسن الذي له روعۀ عند الرؤیۀ، کالزهرة و الأشجار الملتفۀ
__________________________________________________
1) سورة 36 یس آیۀ 39 )
ص: 360
و الریاض الخضرة فی الأنواع المتشاکلۀ و المباري المصطفۀ خلالها الأنهار الجاریۀ.
أي فعلنا ذلک و خلقناه علی ما وصفناه لیتبصر به و یتفکر به کل مکلف کامل العقل یرید « تَبْصِ رَةً وَ ذِکْري لِکُ لِّ عَبْدٍ مُنِیبٍ » و قوله
الرجوع إلی اللَّه و الانابۀ الیه.
« وَ حَبَّ الْحَصِ یدِ » أي بساتین فیها أشجار تجنها « جَنَّاتٍ » ذلک الماء « فَأَنْبَتْنا بِهِ » یعنی مطراً و غیثاً « وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَکاً » ثم قال
یعنی البرّ و الشعیر، و کل ما یحصد- فی قول قتادة- لان من شأنه ان یحصد، و الحب هو الحصید، و إنما أضافه إلی نفسه، کما قال
أي عالیات « باسقات » عطف علی (جنات) فلذلک نصبه و « و النخل » و کما قالوا: مسجد الجامع و غیر ذلک. و قوله «1» « لَحَقُّ الْیَقِینِ »
یقال: بسقت النخلۀ بسوقاً قال ابن نوفل لابن هبیرة:
«2» یا بن الذین بفضلهم بسقت علی قیس فزاره
نضد « طلع نضید » أي لهذه النخل التی وصفها بالعلو « لها طلع نضید » طوال النخل، و به قال مجاهد و قتادة « باسقات » و قال ابن عباس
أي خلقنا ما ذکرنا من حب الحصید و الطلع النضید رزقاً للعباد و غذاء « رزقاً للعباد » بعضه علی بعض- فی قول مجاهد و قتادة- و قوله
لهم، و هو نصب علی المصدر أي رزقناهم رزقاً، و یجوز أن یکون مفعولا له أي لرزق العباد و الرزق هو ما للحی الانتفاع به علی وجه
لیس لغیره منعه منه، و الحرام لیس برزق، لان اللَّه تعالی منع منه بالنهی و الحظر و کل رزق فهو من اللَّه تعالی إما بأن یفعله او یفعل
سببه، لأنه مما یریده. و قد یرزق الواحد منا غیره، کما یقال: رزق السلطان الجند.
أي أحیینا بذلک الماء الذي أنزلنا من السماء « وَ أَحْیَیْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً » و قوله
__________________________________________________
1) سورة 69 الحاقۀ آیۀ 51 )
87 / 2) تفسیر الطبري 26 )
ص: 361
أي مثل ما أحیینا هذه الأرض المیتۀ بالماء، مثل « کذلک الخروج » بلدة میتاً أي جدباً قحطاً، لا تنبت شیئاً، فأنبتت و عاشت ثم قال
ذلک نحیی الموتی یوم القیامۀ فیخرجون من قبورهم لأن من قدر علی أحدهما قدر علی الآخر، و إنما دخلت علی القوم شبهۀ من
حیث انهم رأوا العادة جاریۀ باحیاء الأرض الموات بنزول المطر علیها، و لم یروا إحیاء الأموات، فظنوا انه یخالف ذلک، و لو انعموا
النظر لعلموا ان القادر علی أحدهما قادر علی الآخر.
صفحۀ 180 من 296
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 12 الی 15 ]..... ص: 361
کَ ذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ أَصْحابُ الرَّسِّ وَ ثَمُودُ ( 12 ) وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ ( 13 ) وَ أَصْحابُ الْأَیْکَ ۀِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ کُلٌّ کَذَّبَ
( الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِیدِ ( 14 ) أَ فَعَیِینا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ ( 15
أربع آیات.
یقول اللَّه تعالی لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله تسلیۀ له عن کفر قومه و ترکهم الایمان به و مهدداً لکفار قومه أنه کما کذبوك یا محمد
هؤلاء و جحدوا نبوتک مثل ذلک کذب قبلهم من الأمم الماضیۀ قوم نوح فأهلکهم اللَّه و أغرقهم و اصحاب الرس و هم اصحاب
البئر الذین قتلوا نبیهم و رسوه فیها- فی قول عکرمۀ- و قال الضحاك: الرس بئر قتل فیها صاحب یاسین. و قیل: الرّس بئر لم یطو
بحجر و لا غیره. قال الجعدي:
«1» تنابلۀ یحفرون الرساسا
__________________________________________________
490 / 1) مر فی 7 )
ص: 362
وَ» و هم قوم هود، فکذبوه فأهلکهم اللَّه « و عاد » هم قوم صالح حیث کذبوه و نحروا ناقۀ اللَّه التی أخرجها آیۀ له من الجبل « ثمود » و
و هم قوم « وَ أَصْحابُ الْأَیْکَ ۀِ » أي کذب فرعون موسی، و قوم لوط لوطاً، و سماهم اخوته لکونهم من نسبه « فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ
« وَ قَوْمُ تُبَّعٍ » شعیب، و الایکۀ الغیظۀ
روي فی الحدیث لا تلعنوا تبعاً، فانه کان اسلم، و إنما ذم اللَّه قومه.
فاستحقوا بما وعدهم به من العقاب، « فَحَقَّ وَعِیدِ » المبعوثۀ الیهم، و جحدوا نبوتهم « کُلٌّ کَذَّبَ الرُّسُلَ » ثم اخبر تعالی عنهم کلهم فقال
فإذا کانت منازل الأمم الخیالیۀ إذا کذبوا الرسل الهلاك و الدمار، و أنتم معاشر الکفار قد سلکتم مسلکهم فی التکذیب فحالکم
قال الحسن الخلق « أَ فَعَیِینا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ » کحالهم فی استحقاق مثل ذلک. ثم قال اللَّه تعالی علی وجه الإنکار علیهم، بلفظ الاستفهام
الأول آدم و قد یکون ذلک المراد لإقرارهم به و انهم ولده یقال: عییت بالأمر إذا لم یعرف وجهه و أعییت إذا تعبت، و کل ذلک من
التعب فی الطلب. و المعنی إنا کما لم نعی بالخلق الأول لا نعیا بخلقهم علی وجه الاعادة، و العی عجز بانقلاب المعنی علی النفس، ثم
و هو القریب الإنشاء، یقال: بناء « مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ » فاللبس منع من إدراك المعنی بما هو کالستر له « بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ » قال
جدید و ثوب جدید، و خلق جدید و أصله القریب العهد، بالقطع للبس لأنه من جددته أجده جداً إذا قطعته فهو کفرت العهد بالقطع
للبس.
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 16 الی 20 ]..... ص: 362
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ ( 16 ) إِذْ یَتَلَقَّی الْمُتَلَقِّیانِ عَنِ الْیَمِینِ وَ عَنِ الشِّمالِ
قَعِیدٌ ( 17 ) ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ ( 18 ) وَ جاءَتْ سَ کْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِکَ ما کُنْتَ مِنْهُ تَحِیدُ ( 19 ) وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ
( ذلِکَ یَوْمُ الْوَعِیدِ ( 20
ص: 363
خمس آیات.
یقول اللَّه تعالی مقسماً إنه خلق الإنسان أي اخترعه و انشأه مقدراً. و الخلق الفعل الواقع علی تقدیر و ترتیب. و المعنی إنه یوجده علی
صفحۀ 181 من 296
ما تقتضیه الحکمۀ من غیر زیادة و لا نقصان. و أخبر انه یعلم ما یوسوس به صدر الإنسان. فالوسوسۀ حدیث النفس بالشیء فی خفی،
و منه الوسواس کثرة حدیث النفس بالشیء من غیر تحصیل قال رؤیۀ: «1» « فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطانُ » و منه قوله
ثم اخبر تعالی انه اقرب إلی الإنسان من حبل الورید. قال ابن عباس و مجاهد: الورید عرق فی «2» وسوس یدعو مخلصاً رب الفلق
الحلق و هما وریدان فی العنق: من عن یمین و شمال، و کأنه العرق الذي یرد الیه ما ینصب من الرأس، فسبحان اللَّه الخلاق العلیم
الذي احسن الخلق و التدبیر، و جعل حبل الورید العاتق، و هو یتصل من الحلق إلی العاتق هذا العرق الممتذ للإنسان من ناحیتی حلقه
إلی عاتقه، و هو الموضع الذي یقع الرداء علیه لأنه یطلق الرداء من موضعه. قال رؤبۀ:
کان وریدیه رشا خلب أي لیف. و قال الحسن: الورید الوتین: و هو عرق معلق به القلب، فاللَّه تعالی أقرب إلی المرء من قلبه. و قیل:
المعنی و نحن أقرب الیه ممن کان بمنزلۀ حبل
__________________________________________________
1) سورة 20 طه آیۀ 120 )
397 / 2) مر فی 4 )
ص: 364
الورید فی القرب فی أنی أعلم به. و قیل: معناه أقرب إلیه بما یدرکه من حبل الورید لو کان مدرکاً. و قیل: و نحن أملک به من حبل
الورید فی الاستیلاء علیه، و ذلک أن حبل الورید فی حیز غیر حیزه. و اللَّه تعالی مدرك بنفسه و مالک له بنفسه.
عَنِ الْیَمِینِ وَ » حین یتلقی المتلقیان، یعنی الملکین الموکلین بالإنسان « وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ » إذ) متعلقۀ بقوله ) « إِذْ یَتَلَقَّی الْمُتَلَقِّیانِ » و قوله
لاحد وجهین: « قعید » أي عن یمینه و عن شماله. و إنما وحد « عَنِ الشِّمالِ قَعِیدٌ
أحدهما- إنه حذف من الأول لدلالۀ الثانی علیه، کما قال الشاعر:
«1» نحن بما عندنا و انت بما عندك راض و الرأي مختلف
أي نحن بما عندنا رضوان، فتقدیر الآیۀ عن الیمین قعید، و عن الشمال قعید الثانی- إنه یکون القعید علی لفظ الواحد، و یصلح
للاثنین و الجمع کالرسول لأنه من صفات المبالغۀ، و فیه معنی المصدر، کأنه قیل: ذو المراقبۀ. و قال مجاهد:
القعید الرصید، و قیل: عن الیمین ملک یکتب الحسنات، و عن الشمال ملک یکتب السیئات- فی قول الحسن و مجاهد- و قال
فقد عدل- و اللَّه- «2» « اقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً » الحسن: حتی إذا مات طویت صحیفۀ عمله و قیل له یوم القیامۀ
علیه من جعله حسیب نفسه. و قال الحسن: الحفظۀ أربعۀ: ملکان بالنهار و ملکان باللیل.
أي لا یتکلم بشیء من القول إلا و عنده حافظ یحفظ علیه، فالرقیب الحافظ و العتید « ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ » و قوله
المعد للزوم الأمر.
قیل فی معناه قولان: « وَ جاءَتْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ » و قوله
أحدهما- جاءت السکرة بالحق من أمر الآخرة حتی عرفه صاحبه و اضطر الیه
__________________________________________________
457 / 289 و 8 ،346 / 263 و 5 ،203 ،172 / 1) مر فی 1 )
2) سورة 17 الإسراء آیۀ 14 )
ص: 365
و الآخر- و جاءت سکرة الموت بالحق الذي هو الموت. و
و هی قراءة أهل البیت علیهم السلام « و جاءت سکرة الحق بالموت » روي ان أبا بکر و ابن مسعود کانا یقرآن
صفحۀ 182 من 296
و (سکرة الموت) غمرة الموت التی تأخذه عند نزع روحه فیصیر بمنزلۀ السکران.
قیل فیه وجهان: « وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ » أي یقال له عند ذلک هذا الذي کنت منه تهرب و تروغ. و قوله « ذلِکَ ما کُنْتَ مِنْهُ تَحِیدُ » و قوله
أحدهما- إنه جمع صورة ینفخ اللَّه فی الصور بأن یحییها یوم القیامۀ.
الثانی- ان الصور قرن ینفخ إسرافیل فیه النفخۀ الأولی فیموت الخلق، و النفخۀ الثانیۀ فیحیون یوم القیامۀ، و هو یوم الوعید الذي وعد
اللَّه أن یعاقب فیه من یکفر به و یعصی أمره، و یثیب من یؤمن به و یمتثل.
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 21 الی 25 ]..... ص: 365
وَ جاءَتْ کُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِیدٌ ( 21 ) لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَۀٍ مِنْ هذا فَکَشَ فْنا عَنْکَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ ( 22 ) وَ قالَ قَرِینُهُ
( هذا ما لَدَيَّ عَتِیدٌ ( 23 ) أَلْقِیا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ ( 24 ) مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ مُرِیبٍ ( 25
خمس آیات.
یشهد علیها، و هما ملکان « و شهید » یسوقها « معها سائق » یقول اللَّه تعالی إن یوم الوعید الذي بینه تجیء کل نفس من المکلفین
أحدهما یسوقه و یحثه علی السیر، و الآخر یشهد علیه بما یعلمه من حاله و یشاهده منه و کتبه علیه، فهو یشهد بذلک علی ما بینه اللَّه
و دبره. ص: 366
الیوم، فالغفلۀ ذهاب المعنی عن النفس، و « من هذا » أي فی سهو و نسیان « لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَۀٍ » أي یقال له « لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَۀٍ » و قوله
ضده الیقظۀ.
أي أزلنا الغطاء عنک حتی ظهر لک الأمر، و إنما تظهر الأمور فی الآخرة بما یخلق اللَّه فیهم من العلوم « فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَكَ » و قوله
الضروریۀ، فیصیر بمنزلۀ کشف الغطاء عما یري، و المراد به جمیع المکلفین: برّهم و فاجرهم، لان معارف الجمیع ضروریۀ، و قوله
معناه إن عینک حادة النظر لا یدخل علیها شک و لا شبهۀ. و قیل: المعنی فعلمک بما کنت فیه من أحوال « فَبَ َ ص رُكَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ »
الدنیا نافذ لیس یراد به بصر العین، کما یقال: فلان بصیر بالنحو أو بالفقه. و قال الرمانی:
حدید مشتق من الحد، و معناه منیع من الإدخال فی الشیء ما لیس منه و الإخراج عنه ما هو منه، و ذلک فی صفۀ رؤیته للأشیاء فی
الآخرة.
هذا ما » قال الحسن و قتادة و ابن زید: یعنی الملک الشهید علیه. و قال بعضهم: قرینه من الشیاطین. و الأول الوجه « وَ قالَ قَرِینُهُ » و قوله
إنما قیل: ألقیا، لأن المأمور به إلقاء کل کافر فی النار اثنان من الملائکۀ. « أَلْقِیا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ » أي معدّ محفوظ « لَدَيَّ عَتِیدٌ
و قیل: یجوز ان یکون علی لفظ الاثنین و المأمور واحد، لأنه بمنزلۀ إلقاء اثنین فی شدته، کما قال الشاعر:
«1» فان تزجرانی یا بن عفان انزجر و إن تدعانی ام عرضاً ممنعا
و الأول اظهر، و حکی الزجاج عن بعض النحویین: ان العرب تأمر الواحد بلفظ الاثنین تقول: قوما، و اقعدا، قال الحجاج: (یا حرسی
اضربا عنقه) و إنما قالوا ذلک، لأن اکثر ما یتکلم به العرب فیمن تأمر به بلفظ الاثنین نحو
«2» خلیلی مرابی علی أم جندب
__________________________________________________
16 / 1) تفسیر القرطبی 17 )
2) قائله امرؤ القیس دیوانه 27 القصیدة 2 )
ص: 367
و قوله:
صفحۀ 183 من 296
و قال المبرد هذا فعل مبنی للتأکید، کأنه قال: ألق ألق، و العنید الذاهب عن الحق و سبیل الرشد «1» قفا نبک من ذکري حبیب و منزل
الذي أمر اللَّه به من بذل المال فی وجوهه من الزکاة و غیرها، لأنه صفۀ ذم تعم منع الخیر الذي یجب بذله. و یدخل فیه « مناع للخیر »
أي متجاوز للحق فی قوله و فعله (مریب) أي آت من المنکر بما یشکک فی أمره. « معتد » الأول علی وجهه التبع
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 26 الی 30 ]..... ص: 367
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِیاهُ فِی الْعَذابِ الشَّدِیدِ ( 26 ) قالَ قَرِینُهُ رَبَّنا ما أَطْغَیْتُهُ وَ لکِنْ کانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ ( 27 ) قالَ لا تَخْتَصِمُوا
لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ ( 28 ) ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِیدِ ( 29 ) یَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ
(30)
خمس آیات.
قرأ نافع و ابو بکر عن عاصم (یوم یقول) بالیاء بمعنی یقول اللَّه تعالی (لجهنم) الباقون بالنون علی وجه الاخبار من اللَّه عن نفسه و
(یوم) متعلق بقوله (ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ) و قیل: إنه متعلق بمحذوف بتقدیر (اذکر) یا محمد یوم، و قوله (الذي
جعل) موضعه الجر، لأنه من صفۀ (کَفَّارٍ عَنِیدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ مُرِیبٍ... الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) أي اتخذ مع اللَّه معبوداً آخر من
الأصنام و الأوثان، و وجه قرباته الیه. و الجعل تکوین الشیء علی
__________________________________________________
1) قائله امرؤ القیس دیوانه 43 قصیدة 53 )
ص: 368
غیر ما کان بقادر علیه فمن جعل مع اللَّه إله آخر فقد صیر ذلک الشیء علی غیر ما کان علیه باعتقاده انه إله آخر مع اللَّه و ذلک
جهل منه عظیم و ذهاب عن الصواب بعید، فیقول اللَّه للملکین الموکلین به یوم القیامۀ (ألقیاه) أي اطرحاه (فِی الْعَذابِ الشَّدِیدِ) و
الإلقاء الرمی بالشیء إلی جهۀ السفلی، و قولهم: ألقی علیه مسألۀ بمعنی طرحها علیه مشبه بذلک. و اصل إلقاء المماسۀ، و الالتقاء من
هذا ففی الإلقاء طلب مماسۀ الشیء الأرض بالرمی (قالَ قَرِینُهُ رَبَّنا ما أَطْغَیْتُهُ) قال ابن عباس: قرینه- هاهنا- شیطانه. و به قال مجاهد و
قتادة و الضحاك. و سمی قرینه لأنه یقرن به فی العذاب، و هو غیر قرینه الذي معه یشهد علیه، و القرین نظیر الشیء من جهۀ مصیره
بإزائه.
فالاطغاء الإخراج إلی الطغیان، و هو تجاوز الحد فی الفساد أطغاه و طغی یطغی « ما أَطْغَیْتُهُ » حکی اللَّه عن شیطانه الذي أغواه انه یقول
طغیاناً، فهو طاغ.
و الاول مطغی. و قال الحسن: ما أطغیته باستکراه، و هو من دعاه إلی الطغیان.
وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ » عن إتباعه. و مثله قوله « بَعِیدٍ » عن الایمان « فِی ضَلالٍ » هو بسوء اختیاره « وَ لکِنْ کانَ » و المعنی لم أجعله طاغیاً
أي لا یخاصم بعضکم بعضاً عندي (وَ قَدْ قَدَّمْتُ « لا تَخْتَصِ مُوا لَدَيَّ » فیقول اللَّه تعالی لهم «1» « سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی
إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ) فی دار التکلیف، فلم تنزجروا و خالفتم امري (ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) معناه إن الذي قدمته إلیکم فی الدنیا من أنی
أعاقب من جحدنی و کذب برسلی و خالفنی فی أمري لا یبدل بغیره، و لا یکون خلافه (وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ) أي لست بظالم لاحد
فی عقابی لمن استحقه بل هو الظلام لنفسه بارتکاب المعاصی التی استحق بها ذلک. و إنما قال: بظلام للعبید علی وجه المبالغۀ رداً
لقول من أضاف جمیع الظلم الیه- تعالی اللَّه عن ذلک-.
__________________________________________________
1) سورة 14 ابراهیم آیۀ 22 )
صفحۀ 184 من 296
ص: 369
و قوله (یَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) من قرأ بالنون فعلی وجه الاخبار من اللَّه عن نفسه. و من قرأ- بالیاء- و هو نافع و ابو بکر، فعلی تقدیر یقول
اللَّه لجهنم (هل امتلأت) من کثرة من ألقی فیک من العصاة (فتقول) جهنم (هل من مزید) أي ما من مزید؟؟ أي لیس یسعنی اکثر من
ذلک. و قال قوم: هذا خطاب من اللَّه لخزنۀ جهنم علی وجه التقریع و التقریر لهم هل امتلأت جهنم، فتقول الخزنۀ هل من مزید؟ و
قال قوم: و هو الأظهر إن الکلام خرج مخرج المثل أي ان جهنم من سعتها و عظمها فی ما یظهر من حالها بمنزلۀ الناطقۀ التی إذا قیل
لها هل امتلأت فتقول هل من مزید أي لم أمتلئ اي فی سعه کثرة، و مثله قول الشاعر:
«1» امتلأ الحوض و قال قطنی مهلا رویداً قد ملأت بطنی
و الحوض لم یقل شیئاً، و إنما أخبر عن امتلائها و انها لو کانت ممن تنطق لقالت قطنی مهلا رویداً قد ملأت بطنی. و کذلک القول
فی الآیۀ. و قال الحسن و عمرو بن عبید و واصل بن عطاء: معنی هل من مزید ما من مزید، و انه بمعنی لا مزید و أنکروا أن یکون طلباً
و قال بعضهم: هذا لیس بمنکر من وجهین: «2» ( للزیادة، لقوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّۀِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ
أحدهما- أن یکون ذلک حکایۀ عن الحال التی قبل دخول جمیع اهل النار فیها و لم تمتلأ بعد و ان امتلأت فی ما بعد.
و الآخر- ان یکون طلب الزیادة بشرط ان یزاد فی سعتها. و قال قوم:
هل من مزید بمنزلۀ
قول النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله یوم فتح مکۀ و قد قیل له ألا تنزل دارك، فقال (و هل ترك لنا عقیل من ربع)
لأنه کل قد باع دور بنی هاشم لما خرجوا
__________________________________________________
471 ،369 ،85 / 431 و 8 / 1) مر فی 1 )
[.....] 2) سورة 11 هود آیۀ 119 )
ص: 370
إلی المدینۀ، و إنما أراد ان یقول: لم یترك لنا داراً. و قال انس بن مالک: هل من مزید طلباً للزیادة. و قال مجاهد: هو بمعنی الکفایۀ.
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 31 الی 35 ]..... ص: 370
( وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّۀُ لِلْمُتَّقِینَ غَیْرَ بَعِیدٍ ( 31 ) هذا ما تُوعَدُونَ لِکُلِّ أَوَّابٍ حَفِیظٍ ( 32 ) مَنْ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِیبٍ ( 33
( ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِکَ یَوْمُ الْخُلُودِ ( 34 ) لَهُمْ ما یَشاؤُنَ فِیها وَ لَدَیْنا مَزِیدٌ ( 35
خمس آیات.
لما حکی اللَّه تعالی ما أعده للکافرین و العصاة من جهنم و عظم موضعها وسعتها أخبر عما أعده للمتقین المجتنبین لمعاصیه الفاعلین
لطاعاته فقال (وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّۀُ لِلْمُتَّقِینَ) و الازلاف التقریب إلی الخیر، و منه الزلفۀ، و الزلفی. و یقولون:
أزدلف الیه أي اقترب و المزدلفۀ قریب من الموقف. و هو المشعر و جمع، و منه قول الراجز:
و الجنۀ التی وعد اللَّه المتقین بها هی البستان الذي «1» ناج طواه الأین مما و جفا طی اللیالی زلفا فزلفا سماؤه الهلال حتی احقوقفا
یجمع من اللذة ارفع کل نوع فی الزینۀ من الابنیۀ الفاخرة بالیاقوت و الزمرد و فاخر الجوهر، و من الأنهار و الأشجار و طیب الثمار و
من الأزواج الکرام و الحور الحسان و کریم الخدم من الولدان الذین هم زینۀ لکل ناظر و متعۀ لکل مبصر، قد أمن أهلها العلۀ و انواع
__________________________________________________
29 / 79 و 8 / 1) مر فی 6 )
صفحۀ 185 من 296
ص: 371
الأذي من فضول الاطعمۀ و الاشربۀ، نسأل اللَّه حسن الاستعداد لها بالعمل الصالح المقرب منها الموجب لرضوان مالکها.
و قوله (غیر بعید) أي لیس ببعید مجیء ذلک، لان کل آت قریب، و لذلک قال الحسن: کأنک بالدنیا لم تکن و بالآخرة لم تزل.
ثم قال (هذا ما تُوعَدُونَ) من قرأ بالتاء فعلی الخطاب أي هذا الذي ذکرناه هو ما وعدتم به من الثواب (لکل أواب) أي رجاع إلی اللَّه
تائب الیه (حفیظ) لما أمر اللَّه به یتحفظ من الخروج الی مالا یجوز من سیئۀ تدنسه او خطیئۀ تحط منه و تشینه. و قال ابن زید: الأواب
التواب، و هو من آب یؤب اوباً إذا رجع.
و قوله (مَنْ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ) فالخشیۀ انزعاج القلب عند ذکر السیئۀ و داعی الشهوة حتی یکون فی أعظم حال من طلبه سبع
یفترسه او عدو یأتی علی نفسه او طعام مسموم یدعی إلی اکله هذه خشیۀ الرحمن التی تنفعه و التی دعا الیها ربه و معنی (بالغیب) أي
فی باطنه و سریرته (وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِیبٍ) أي راجع إلی اللَّه من أناب ینیب إنابۀ، و موضع (من) یحتمل وجهین من الاعراب:
أحدهما- الجر علی البدن من (کل) کأنه قیل لمن خشی.
و الثانی- الرفع علی الاستئناف کأنه قال (مَنْ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ) یقال لهم (ادْخُلُوها بِسَ لامٍ) أي بأمان من کل مکروه و یحیون
بذلک علی وجه الإکرام.
و قوله (ذلِکَ یَوْمُ الْخُلُودِ) أي الوقت الذي یبقون فیه فی النعیم مؤبدین لا إلی غایۀ.
و قوله (لَهُمْ ما یَشاؤُنَ فِیها) أي ما یریدونه و یشتهونه یجعل لهم فیها (و لدینا مزید) من نعم اللَّه الذي یعطیهم زیادة علی مقدار
استحقاقهم بعملهم.
ص: 372
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 36 الی 40 ]..... ص: 372
وَ کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَ دُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِی الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِیصٍ ( 36 ) إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْري لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی
السَّمْعَ وَ هُوَ شَ هِیدٌ ( 37 ) وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّۀِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ( 38 ) فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ
( سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ( 39 ) وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ ( 40
خمس آیات قرأ (و إدبار) بکسر الألف ابن کثیر و نافع و اهل الحجاز و حمزة علی المصدر من أدبر إدباراً، و تقدیره وقت إدبار
السجود. و المصادر تجعل ظرفاً علی إرادة اضافۀ اسماء الزمان إلیها و حذفها، کقولهم جئتک مقدم الحاج و خوق النجم و نحو ذلک
یریدون فی ذلک کله وقت کذا و کذا فحذفوه. الباقون بفتح الألف علی انه جمع (دبر):
یقول اللَّه تعالی مخبراً (وَ کَمْ أَهْلَکْنا) و معناه و کثیراً أهلکنا و ذلک أن (کم) تکون استفهاماً تارة فی معنی الخبر للتکثیر و إنما
خرجت عن الاستفهام إلی التکثیر لتکون نقیضۀ (رب) فی التقلیل و کانت أحق به، لأنها (اسم) مع احتمالها للتقلیل، فأما رب فی
الکلام، فهی حرف یجري مجري حرف النفی، لان التقلیل أقرب إلی النفی، و إنما وجب ل (کم) صدر الکلام فی الخبر إعلاماً بأنها
خرجت عن الاستفهام مع انها نقیضۀ (رب) التی هی بمنزلۀ حروف النفی، و دخلت (من) علی مفسر (کم) فی الخبر بمنزلۀ عدد یفسر
بالمضاف کقولک عشر أثواب، و عشرة من الأثواب. فجاز حرف الاضافۀ ص: 373
کما جازت الاضافۀ. و لیس کذلک عشرون درهماً، و جاز ان یفسر فی الخبر بالواحد و بالجمع: و القرن المقدار من الزمان الذي
یقترن بالبقاء فیه أهله علی مجري العادة، و قال قوم: هو مائۀ و عشرون سنۀ. و قیل: ثمانون سنۀ و قال آخرون:
أي الذین أهلکناهم مثل هؤلاء « هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً » هو سبعون سنۀ. و قال قوم: أربعون سنۀ. و قیل ثلاثون سنۀ. و قیل: عشر سنین
الکفار کانوا أشد قوة من هؤلاء و اکثر عدة کقوم عاد و غیرهم فلم یتعذر علینا ذلک، فما الذي یؤمن هؤلاء من مثل ذلک.
صفحۀ 186 من 296
و قوله (فَنَقَّبُوا فِی الْبِلادِ) أي فتحوا مسالک فی البلاد بشدة بطشهم فالتنقیب التفتیح بما یصلح للسلوك من نقض البنیۀ، و منه النقب
الفتح الذي یصلح للمسلک و قد یفتح اللَّه علی العباد فی الرزق بأن یوسع علیهم فی رزقهم، و لا یصلح فیه النقب. و کل نقب فتح. و
لیس کل فتح نقباً، فالنقب نقض موضع بما یصلح للسلوك. و قال مجاهد: نقبوا فی البلاد أي ضربوا فی الأرض ضرب جاعل
المسالک بالنقب، قال امرؤ القیس:
«1» لقد نقبت فی الآفاق حتی رضیت من الغنیمۀ بالإیاب
و قوله (هل من محیص) أي هل من محید، و هو الذهاب فی ناحیۀ عن الأمر للهرب منه، حاص یحیص حیصاً فهو حائص مثل حاد
یحید حیداً فهو حاید و المعنی إن أولئک الکفار الذین وصفهم بشدة البطش لما نزل بهم عذاب اللَّه لم یکن لهم مهرب و لا محیص
عنه. قیل هل من محید من الموت، و منجاً من الهلاك.
قال الزجاج: هؤلاء الکفار طوفوا فی البلاد، فلم یجدوا مخلصاً من الموت.
و قوله (إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْري یعنی فی ما أخبرته و قصصته لک لذکري أي
__________________________________________________
224 الشاهد 836 / 1) دیوانه 48 و مجاز القرآن 2 )
ص: 374
ما یتفکر فیه و یعتبر به (لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ) قیل معنی القلب- هاهنا- العقل من قولهم این ذهب قلبک، و فلان ذاهب القلب، و فلان
قلبه معه، و إنما قال (لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ) لان من لا یعیی الذکر لا یعتد بما له من القلب.
و قوله (أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَ هِیدٌ) قال ابن عباس: معناه استمع و لم یشغل قلبه بغیر ما یستمع، فهو شهید لما یسمع و یفقهه غیر غافل
عنه، و هو قول مجاهد و الضحاك و سفیان، یقال ألق إلی سمعک أي استمع. و قال قتادة: و هو شهید علی صفۀ النبی صَلی اللَّهُ عَلیه
و آله فی الکتب السالفۀ، و هذا فی أهل الکتاب. و الأول اظهر.
وَ ما مَسَّنا ) «1» ثم أقسم اللَّه تعالی فقال (وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّۀِ أَیَّامٍ) و قد مضی تفسیر مثله فی غیر موضع
مِنْ لُغُوبٍ) أي من نصب و تعب- فی قول ابن عباس و مجاهد- و اللغوب الاعیاء. قال قتادة: أکذب اللَّه تعالی بذلک الیهود، فإنهم
قالوا: استراح اللَّه یوم السبت، فهو عندهم یوم الراحۀ.
و قیل: إنما خلق اللَّه السموات و الأرض و ما بینهما فی ستۀ أیام مع قدرته علی ان یخلفهما فی وقت، لان فی ذلک لطفاً للملائکۀ حین
شاهدوه یظهر حالا بعد حال و قیل: لأن فی الخبر بذلک لطفاً للمکلفین فی ما بعد إذا تصوروا أن ذلک یوجد شیئاً بعد شیء مع أدب
النفس به فی ترك الاستعجال إذا جري فی فعل اللَّه لضروب من التدبیر.
ثم قال لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله (فاصبر) یا محمد (عَلی ما یَقُولُونَ) من قولهم: هو ساحر، و کذاب، و مجنون، و احتمل ذلک حتی
یأتی اللَّه بالفرج (وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ) أي نزهه عما لا یلیق به (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) صلاة الفجر (وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ) صلاة العصر- فی قول
قتادة و ابن زید- (و من اللیل) یعنی صلاة اللیل یدخل
__________________________________________________
19 / 293 و 9 / 500 و 8 / 517 و 7 ،385 / 451 و 5 / 1) انظر 4 )
ص: 375
فیه صلاة المغرب و العتمۀ. و قال ابن زید:
هو صلاة العتمۀ (وَ أَدْبارَ السُّجُودِ) الرکعتان بعد المغرب- فی قول الحسن بن علی علیهما السلام
و مجاهد و الشعبی و ابراهیم.
صفحۀ 187 من 296
و قال الحسن (و قبل الغروب) صلاة الظهر و العصر. و قال الرکعتان بعد المغرب تطوعاً. و قیل: التسبیح بعد الصلاة- عن ابن عباس و
مجاهد- و قیل: النوافل- عن ابن زید- و أصل التسبیح التنزیه للَّه عن کل ما لا یجوز فی صفۀ، و سمیت الصلاة تسبیحاً لما فیها من
التسبیح، یقال: سبحان ربی العظیم، و
روي ایضاً أراد ب (ادبار السجود) الرکعتان بعد المغرب. و أدبار النجوم الرکعتان قبل طلوع الفجر.
بتخفیف القاف، و هی لغۀ فی التشدید. و رجل نقاب أي حاذق فظن عالم کان ابن « فنقبوا » و روي فی الشواذ عن أبی عمرو أنه قرأ
عباس نقاباً، و النقبۀ الحرب و نقب خف البعیر إذا انتقب و قرئ علی لفظ الأمر و هو شاذ.
قوله تعالی:[سورة ق ( 50 ): الآیات 41 الی 45 ]..... ص: 375
وَ اسْتَمِعْ یَوْمَ یُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ ( 41 ) یَوْمَ یَسْمَعُونَ الصَّیْحَ ۀَ بِالْحَقِّ ذلِکَ یَوْمُ الْخُرُوجِ ( 42 ) إِنَّا نَحْنُ نُحْیِی وَ نُمِیتُ وَ إِلَیْنَا
الْمَصِیرُ ( 43 ) یَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِکَ حَشْرٌ عَلَیْنا یَسِیرٌ ( 44 ) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَکِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ
( یَخافُ وَعِیدِ ( 45
خمس آیات.
قرأ ابن کثیر (یوم تشقق) مشددة الشین علی معنی تتشقق و حذف احدي التائین. و التشقق التفطیر. یقول اللَّه تعالی لنبیه علیه السلام و
المراد به جمیع المکلفین (و استمع) أي اصغ إلی النداء و توقعه (یوم ینادي المنادي) فالنداء الدعاء بطریقۀ التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 9، ص: 376
یا فلان، و کأن الناس یدعون فیقال لهم: یا معشر الناس قوموا إلی الموقف للجزاء و الحساب، و قیل: ینادي المنادي من الصخرة التی
فی بیت المقدس، فلذلک قال (مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ) فیقول: یا أیها العظام البالیۀ قومی لفصل القضاء و ما اعدّ من الجزاء- فی قول قتادة-
(من مکان قریب) أي یسمع الخلق کلهم علی حد واحد، فلا یخفی علی احد لا قریب و لا بعید.
و قوله (یَوْمَ یَسْمَعُونَ الصَّیْحَۀَ بِالْحَقِّ) فالصیحۀ المرة الواحدة من الصوت الشدید و نقیضها الخمدة تقول صاح یصیح صیاحاً و صیحۀ،
فهو صائح، و تصایح و تصایحوا فی الأمر تصایحا، و صیح تصییحاً و صایحه مصایحۀ، و هذه الصیحۀ هی النفخۀ الثانیۀ للحشر إلی
أرض الموقف (ذلِکَ یَوْمُ الْخُرُوجِ).
و قوله (إِنَّا نَحْنُ نُحْیِی وَ نُمِیتُ وَ إِلَیْنَا الْمَصِ یرُ) اخبار منه تعالی عن نفسه بأنه هو الذي یحیی الخلق بعد ان کانوا جماداً أمواتاً. ثم
یمیتهم بعد أن کانوا أحیاء ثم یحییهم یوم القیامۀ و إلی اللَّه یصیرون و یرجعون یوم القیامۀ (یَوْمَ تَشَ قَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) أي إلینا
المصیر فی الیوم الذي تشقق الأرض عن الأموات (سراعاً) أي بسرعۀ لا تأخیر فیها ثم قال (ذلِکَ حَشْرٌ عَلَیْنا یَسِیرٌ) أي سهل علینا غیر
شاق. و الحشر الجمع بالسوق من کل جهۀ.
ثم قال (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ) یعنی هؤلاء الکفار من جحدهم نبوتک و إنکارهم البعث و النشور، لا یخفی علینا من أمرهم شیء (وَ
ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ) یا محمد (بجبار) قال الحسن: ما أنت علیهم برب تجازیهم بأعمالهم. و إنما أنا المجازي لهم. و قیل: و ما انت علیهم
بفظ فی دعائهم إلی توحید اللَّه و إخلاص عبادته.
و الجبار العالی السلطان بأنه قادر علی إذلال جمیع العصاة بحسب الاستحقاق و هذه الصفۀ لا تصح إلا للَّه تعالی وحده، فان وصف بها
الإنسان کان ذماً، لأنه جعل ص: 377
لنفسه من المقدرة ما لیس لها، و انشد الفضل:
«1» عصینا حرمۀ الجبار حتی صبحنا الخوف الفاً معلمینا
و قیل (و ما أنت بجبار) أي لا تتجبر علیهم، قال الفراء: یجوز ان یکون لا یجبرهم علی الإسلام یقال: جبرته علی الامر و أجبرته بمعنی
صفحۀ 188 من 296
واحد. و قال غیره:
لم یسمع (فعال) من (أفعلت) إلا (دراك) من (أدرکت) و یکون الجبار العالی السلطان علی کل سلطان باستحقاق، و یکون العالی
السلطان بادعاء.
ثم قال (فَذَکِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ یَخافُ وَعِیدِ) إنما خص بالتذکیر من یخاف وعید اللَّه، لأنه الذي ینتفع به و إن کان تذکیره متوجهاً إلی
جمیع المکلفین. قال الزجاج:
إنما قال اللَّه للنبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله ذلک قبل ان یأمره بالقتال.
__________________________________________________
103 / 1) تفسیر الطبري 26 )
ص: 378
-51 سورة الذاریات..... ص: 378
اشارة
مکیۀ بلا خلاف. و هی ستون آیۀ بلا خلاف.
[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 1 الی 14 ]..... ص: 378
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( وَ الذَّارِیاتِ ذَرْواً ( 1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً ( 2) فَالْجارِیاتِ یُسْراً ( 3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ( 4
( إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ ( 5) وَ إِنَّ الدِّینَ لَواقِعٌ ( 6) وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ ( 7) إِنَّکُمْ لَفِی قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ( 8) یُؤْفَکُ عَنْهُ مَنْ أُفِکَ ( 9
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ( 10 ) الَّذِینَ هُمْ فِی غَمْرَةٍ ساهُونَ ( 11 ) یَسْئَلُونَ أَیَّانَ یَوْمُ الدِّینِ ( 12 ) یَوْمَ هُمْ عَلَی النَّارِ یُفْتَنُونَ ( 13 ) ذُوقُوا فِتْنَتَکُمْ هذَا
( الَّذِي کُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ( 14
أربع عشر آیۀ.
روي عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام و ابن عباس (رحمۀ اللَّه علیه) و مجاهد ان (الذاریات) الریاح یقال: ذرت الریح
التراب تذروه ذرواً، و هی ذاریۀ إذا طیرته و أذرت تذري إذراء بمعنی واحد
و سأل ابن الکواء أمیر المؤمنین علیه السلام و هو یخطب علی المنبر (ما الذاریات ذرواً) قال: الریاح، قال ما التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 9، ص: 379
(الحاملات و قرأ) فقال السحاب. فقال ما (الجاریات یسراً) قال السفن.
و المعنی إنها تجري سهلا، فقال ما (المقسمات أمراً) قال الملائکۀ.
و هو قول ابن عباس و مجاهد و الحسن، و هذا قسم من اللَّه تعالی بهذه الأشیاء. و قال قوم: التقدیر القسم برب هذه الأشیاء لأنه لا
یجوز القسم إلا باللَّه. و
قد روي عن أبی جعفر و أبی عبد اللَّه علیهما السلام أنه لا یجوز القسم إلا باللَّه. و اللَّه تعالی یقسم بما یشاء من خلقه.
و قیل: الوجه فی القسم بالذاریات تعظیم ما فیها من العبرة فی هبوبها تارة و سکونها اخري، و ذلک یقتضی مسکناً لها و محرکاً لا
یشبه الأجسام، و فی مجیئها وقت الحاجۀ لتنشئۀ السحاب و تذریۀ الطعام ما یقتضی مصرفاً لها قادراً علیها، و ما فی عصوفها تارة و لینها
صفحۀ 189 من 296
أخري ما یقتضی قاهراً لها و لکل شیء سواها.
و الوجه فی القسم بالحاملات وقراً، ما فیه من الآیات الدالۀ علی محمل حملها الماء و أمسکه من غیر عماد و اغاث بمطره العباد و
احیی البلاد و صرفه فی وقت الغنی عنه بما لو دام لصاروا إلی الهلاك، و لو انقطع أصلا، لاضربهم جمیعاً. و الوجه فی القسم
بالجاریات یسراً ما فیها من الدلائل و بتسخیر البحر الملح و العذب بجریانها و تقدیر الریح لها بما لو زاد لغرق و لو رکد لأهلک، و بما
فی هدایۀ النفوس إلی تدبیر مصالحها و ما فی عظم النفع بها فی ما ینقل من بلد إلی بلد بها.
و الوجه فی القسم بالملائکۀ ما فیها من اللطف و عظم الفائدة و جلالۀ المنزلۀ بتقسیم الأمور بأمر اللَّه تعالی من دفع الآفۀ عن ذا و
اسلام ذاك و من کتب حسنات ذا و سیئات ذاك، و من قبض روح ذا و تأخیر ذاك. و من الدعاء للمؤمنین و لعن الکافرین، و من
استدعائهم إلی طریق الهدي و طلب ما هو أولی بصد داعی الشیطان و الهوي عد و الإنسان. ص: 380
و قوله (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) جواب القسم. و معناه إن الذي وعدتم به من الثواب و العقاب و الجنۀ و النار وعد صدق لا بد من کونه
(وَ إِنَّ الدِّینَ لَواقِعٌ) معناه إن الجزاء لکائن یوم القیامۀ، و هذا یفید ان من استحق عقاباً، فانه یجازي به و یدخل فی ذلک کل مستحق
للعقاب، کأنه قال: إن جمیع الجزاء واقع بأهله یوم القیامۀ فی الآخرة. ثم استأنف قسماً آخر فقال (وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ) فالحبک
الطرائق التی تجري علی الشیء کالطرائق التی تري فی السماء. و تري فی الماء الصافی إذا مرت علیه الریح، و هو تکسر جار فیه. و
وَ السَّماءِ » یقال للشعر الجعد حبک و الواحد حبیک و حبیکۀ، و الحبک أثر الصنعۀ فی الشیء و استوائه، حبکه یحبکه و یحبکه حبکاً
أي ذات حسن الطرائق، و حبک الماء طرائفه قال زهیر: « ذاتِ الْحُبُکِ
«1» مکلل بأصول النجم تنسجه ریح خریق لضاحی مائه حبک
و تحبکت المرأة بنطاقها إذا شدته فی وسطها، و ذلک زینۀ لها، و حبک السیف إذا قطع اللحم دون العظم، و قال الحسن و سعید بن
جبیر: ذات الحبک ذات الزینۀ بالنجوم و الصنعۀ و الطرائق الحسنۀ. و قیل: الحبک النسج الحسن، یقال:
ثوب محبوك. و قوله (إِنَّکُمْ لَفِی قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) معناه إنکم فی الحق لفی قول مختلف، لا یصح إلا واحد منه، و هو أمر النبی صَلی اللَّهُ
عَلیه و آله و ما دعا الیه، و هو تکذیب فریق به و تصدیق فریق. و دلیل الحق ظاهر، و فائدته أن احد الفریقین فی هذا الاختلاف مبطل،
لأنه اختلاف تناقض فاطلبوا الحق منه بدلیله و إلا هلکتم. و قوله (یُؤْفَکُ عَنْهُ مَنْ أُفِکَ) معناه یصرف عنه من صرف، و منه قوله (أَ
أي لتصرفنا، و تصدنا. و إنما قیل (یؤفک) عن الحق «2» ( جِئْتَنا لِتَأْفِکَنا عَنْ آلِهَتِنا
__________________________________________________
32 / 225 و القرطبی 17 / 1) دیوانه 176 و مجاز القرآن 2 )
2) سورة 46 الأحقاف آیۀ 22 )
ص: 381
لأنه یمکن فیه ذلک من غیره، و لا یمکن من نفسه، لان الحق یدعو إلی نفسه و لا یصرف عنها إلی خلافه.
و الخراص الکذاب. و أصله الخرص و هو القطع من «1» ( و قوله (قتل الخراصون) معناه لعن الکذابون، و مثله (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَکْفَرَهُ
قولهم: خرص فلان کلامه و اخترصه إذا افتراه، لأنه اقتطعه من غیر أصل. و الخرص جرید یشقق و یتخذ منه الحصر قال الشاعر:
«2» تري قصد المران فیهم کأنه تذرع خرصان بأیدي شواطب
و الخرص حلقۀ القرط المنقطعۀ عن ملاصقۀ الاذن، و الخریص الخلیج من من البحر، و الخرص الخرز من العدد و الکیل، و منه
خارص النخل، و هو خارزه و جمعه خراص. و قوله (الَّذِینَ هُمْ فِی غَمْرَةٍ ساهُونَ) صفۀ للخراصین و موضعه رفع و تقدیره فی غمرة
و الغمرة المرة من علو الشیء علی ما هو فائض فیه، غمره الماء یغمره غمراً و غمرة، «3» ( ساهون عن الحق کقوله (طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ
فهو غامر له، و الإنسان مغمور، و یقال: غمره الشغل و غمره الموت و غمره الحیاء و غمره الجهل و أصل الغمرة من الغمر و هو السید
صفحۀ 190 من 296
الکثیر العطاء، لأنه یغمر بعطائه، و الغمر الفرس الکثیر الجري، لأنه یغمر بحریه، و الغمر الذي لم یجرب الأمور و الغمر الحقد و الغمرة
رائحۀ الزهومۀ فی الید، و غمار الناس مجتمعهم، و غمرة المرأة ما تطلی به من الطیب و غیره مما یحسن اللون، و الغمر القدح الصغیر،
و الغمر النبت الصغار، لأنه تغمره الکبار و المعنی ان هؤلاء الکفار لجهلهم بما یجب علیهم معرفته ساهون عما یلزمهم العلم به أي
غافلون عن الحق متعامون عنه (یَسْئَلُونَ أَیَّانَ یَوْمُ الدِّینِ) یعنی یسأل
__________________________________________________
1) سورة 80 عبس آیۀ 7 )
269 مع اختلاف یسیر / 2) مر فی 4 )
3) سورة 9 التوبۀ آیۀ 94 و سورة 16 النحل آیۀ 108 و سورة 47 محمد آیۀ 16 )
ص: 382
هؤلاء الکفار الذین وصفهم بالجهل و الغمرة: متی یوم الجزاء؟! علی وجه الإنکار لذلک لا علی وجه الاستفادة لمعرفته، فأجیبوا بما
یسوءهم من الحق الذي لا محالۀ انه نازل بهم فقیل (یَوْمَ هُمْ عَلَی النَّارِ یُفْتَنُونَ) أي یحرقون بالنار و یعذبون فیها و أصل الفتنۀ تخلیص
أي أخلصناك للحق، و «1» ( الذهب بإحراق الغش الذي فیه، فهؤلاء یفتنون بالإحراق کما یفتن الذهب. و منه قوله (وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً
رجل مفتون بالمرأة أي مخلص بحبها، و هی صفۀ ذم، (و فتناهم) أي اختبرناهم بما یطلب به خلاصهم للحق. و قیل: یفتنون أي
یحرقون، کما یفتن الذهب فی النار- فی قول مجاهد و الضحاك- و قوله (یوم هم) یصلح أن یکون فی موضع رفع، لأنک أضفته إلی
شیئین، و یصلح فیه النصب علی الظرف و البناء، و کله علی جواب (أیان) و قوله (ذُوقُوا فِتْنَتَکُمْ هذَا الَّذِي کُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) معناه انه
یقال للکفار الذین یعذبون بها هذا الذي کنتم به تستعجلون فی دار التکلیف استبعاداً له، فقد حصلتم الآن فیه و عرفتم صحته،
قوله تعالی:[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 15 الی 23 ]..... ص: 382
إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ ( 15 ) آخِذِینَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ کانُوا قَبْلَ ذلِکَ مُحْسِنِینَ ( 16 ) کانُوا قَلِیلًا مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ ( 17 ) وَ
( بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ( 18 ) وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ ( 19
وَ فِی الْأَرْضِ آیاتٌ لِلْمُوقِنِینَ ( 20 ) وَ فِی أَنْفُسِکُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ ( 21 ) وَ فِی السَّماءِ رِزْقُکُمْ وَ ما تُوعَدُونَ ( 22 ) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ
( إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّکُمْ تَنْطِقُونَ ( 23
__________________________________________________
1) سورة 20 طه آیۀ 40 )
ص: 383
تسع آیات.
قرأ حمزة و الکسائی و ابو بکر عن عاصم (لحقَ مثل) بالرفع علی أنه صفۀ للحق الباقون بالنصب، و یحتمل نصبه وجهین:
أحدهما- قول الجرمی أن یکون نصباً علی الحال، کأنه قیل: حق مشبهاً لنطقکم فی الثبوت.
الثانی- قال المازنی إن (مثل) مبنی، لأنه مبهم أضیف إلی مبنی، کما قال الشاعر:
«1» لم یمنع الشرب منها غیر أن نطقت حمامۀ فی غصون ذات او قال
و قولهم: خمسۀ عشر، فیکون علی هذا (ما) زائدة و أضاف «2» ( و قال: فجعل (مثل) مع (ما) کالأمر الواحد، کما قال (لا ریب فیه
(مثل) إلی (إنکم تنطفون) فبناه علی الفتح حین أضافه إلی المبنی، و لو کان مضافاً إلی معرب لم یجز البناء نحو: مثل زید. و قیل:
یجوز أن یکون نصباً علی المصدر، و کأنه قال إنه لحق حقاً کنطقکم.
صفحۀ 191 من 296
لما حکی اللَّه تعالی حکم الکفار و ما أعده لهم انواع العذاب، أخبر بما أعده للمؤمنین المطیعین الذین یتقون معاصی اللَّه خوفاً من
عقابه، و یفعلون ما أوجبه علیهم فقال (إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ) أي فی بساتین تجنها الأشجار (و عیون) ماء تجري لهم فی جنۀ
الخلد، فهؤلاء ینعمون و أولئک یعذبون (آخِذِینَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) من کرامته و ثوابه بمعنی آخذین ما أعطاهم اللَّه من ذلک و نصب

ی
ذ
خ
آ
)
ی
ل
ع
ل
ا
ح
ل
ا
(
مْ هُ نَّ إِ ا
و
نُ ا
ک
لَ بْ قَ کَلِ ذ
نَ ی
نِ سِ حْ مُ )
ن
و
ل
ع
ف
ی
ت
ا
ع
ا
ط
ل
ا
و
ن
و
م
ع
ن
ی
ی
ل
ع
م
ه
ر
ی
غ
__________________________________________________
479 / 1) مر فی 4 )
2) سورة 2 البقرة آیۀ 1 )
ص: 384
بضروب الإحسان، ثم وصفهم فقال (کانوا) یعنی المتقین الذین وعدهم بالجنات (قَلِیلًا مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ) فی دار التکلیف أي کان
هجوعهم قلیلا- فی قول الزهري و إبراهیم- و قال الحسن: (ما) صلۀ و تقدیره کانوا قلیلا یهجعون، و قال قتادة: لا ینامون عن العتمۀ
ینتظرونها لوقتها، کأنه قیل هجوعهم قلیلا فی جنب یقظتهم للصلاة و العبادة. و قال الضحاك: تقدیره کانوا قبل ذلک محسنین کانوا
قلیلا، ثم ابتدأ فقال (مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ) و تکون (ما) بمعنی النفی و المعنی إنهم کانوا یحیون اللیل بالقیام فی الصلاة و قراءة
القرآن و غیر ذلک. و لا یجوز ان تکون (ما) جحدا لأنه لا یقدم علیها معمولها. و الهجوع النوم- فی قول قتادة و ابن عباس و إبراهیم
و الضحاك (وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ) أي یطلبون من اللَّه المغفرة و الستر لذنوبهم فی قول الحسن و ابن زید- و قال مجاهد: معناه
یصلون فی السحر.
و قوله (وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ) و هو ما یلزمهم لزوم الدیون من الزکوات و غیر ذلک أو ما التزموه من مکارم الأخلاق، فهو الذي رغب
اللَّه فیه بقوله (وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ) فالسائل هو الذي یسأل الناس، و المحروم هو المحارف- فی قول ابن عباس و
مجاهد و الضحاك- و قال قتادة و الزهري: المحروم هو المتعفف الذي لا یسأل. و قال إبراهیم: المحروم الذي لا سهم له فی الغنیمۀ.
و قیل: المحروم الممنوع الرزق بترك السؤال أو إذهاب مال او سقوط سهم او خراب ضیعۀ إذا صار فقیراً من هذه الجهۀ. و قال
الشعبی: اعیانی أن أعلم ما المحروم. و فرق قوم بین الفقیر و المحروم بأنه قد یحرمه الناس بترك الإعطاء، و قد یحرم نفسه بترك
السؤال، فإذا سأل لا یکون ممن حرم نفسه بترك السؤال، و إنما حرمه الغیر، و إذا لم یسأل فقد حرم نفسه و حرمه الناس.
و قوله (وَ فِی الْأَرْضِ آیاتٌ) أي دلالات واضحات و حجج نیرات (للموقنین) ص: 385
الذین یتحققون بتوحید اللَّه، و إنما أضافها إلی الموقنین، لأنهم الذین نظروا فیها و حصل لهم العلم بموجبها و آیات الأرض جبالها و
نباتها و معادنها و بحارها، و وقوفها بلا عمد لتصرف الخلق علیها.
و قوله (وَ فِی أَنْفُسِکُمْ أَ فَلا تُبْصِ رُونَ) معناه و فی أنفسکم أفلا تتفکرون بأن تروها مصرّفۀ من حال إلی حال و منتقلۀ من صفۀ إلی
أخري، فکنتم نطفاً فصرتم أحیاء ثم کنتم أطفالا فصرتم شباباً، ثم صرتم کهولا و کنتم ضعفاء فصرتم أقویاء، فهلا دلکم ذلک علی ان
لها صانعاً صنعها و مدبراً دبرها یصرفها علی ما تقتضیه الحکمۀ و یدبرها بحسب ما توجبه المصلحۀ. و قیل: المعنی أ فلا تبصرون
بقلوبکم نظر من کأنه یري الحق بعینه.
و قوله (وَ فِی السَّماءِ رِزْقُکُمْ) ینزله اللَّه إلیکم بأن یرسل علیکم الغیث و المطر فیخرج به من الأرض أنواع ما تقتاتونه و تلبسونه و
تنتفعون به (و ما توعدون) به من العذاب ینزله اللَّه علیکم إذا استحققتموه، و قال الضحاك: و فی السماء رزقکم یعنی المطر الذي هو
سبب کل خیر و هو من الرزق الذي قسمه اللَّه و کتبه للعبد فی السماء. و قال مجاهد: و ما توعدون یعنی من خیر او شر، و قیل و ما
توعدون الجنۀ، لأنها فی السماء الرابعۀ.
ثم قال تعالی (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ) قسما منه تعالی (إنه لحق) و معناه إن ما وعدتکم به من الثواب و العقاب و الجنۀ و النار لا بد
صفحۀ 192 من 296
أي مثل نطقکم الذي تنطقون به فکما لا تشکون فی ما تنطقون، فکذلک لا تشکوا فی حصول ما وعدتکم « مثل ما تنطقون » من کونه
و بین ما تنطقون مثل الفرق بین أحق منطقک و بین أحق إنک تنطق أي أحق « لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّکُمْ تَنْطِقُونَ » به. و قیل الفرق بین قوله
إنک ممن ص: 386
ینطق، و لم یثبت له نطقاً. و الاول قد أثبته إلا أنه قال: أحق هو أم باطل، ذکره الفراء. و معنی الآیۀ أن هذا القرآن و أمر محمد صَ لی
اللَّهُ عَلیه و آله و ما توعدون به من أرزاقکم حق ککلامکم، کقول القائل: إنه لحق مثل ما أنت هاهنا أي کما أنت هاهنا. و قال الفراء:
و إنما جمع بین (ما) و (إن) مع انه یکتفی بأحدهما، کما یجمع بین اللائی و الذین، و أحدهما یجزي عن الآخر قال الشاعر:
«1» من النفر اللائی و الذین إذا هم یهاب اللئام حلقۀ الباب قعقعوا
فجمع بین اللائی و الذین، و لو أفرده ب (ما) لکان المنطق فی نفسه حقاً، و لم یرد ذلک، و إنما أراد أنه لحق کما حق أن الآدمی
ناطق، أ لا تري ان قولک أ حق منطقک معناه أحق هو أم کذب، و قولک أحق إنک تنطق معناه إن للإنسان النطق لا لغیره، فأدخلت
(أن) لیفرق بین المعنیین. قال و هذا أعجب الوجهین إلیّ
قوله تعالی:[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 24 الی 30 ]..... ص: 386
هَلْ أَتاكَ حَدِیثُ ضَ یْفِ إِبْراهِیمَ الْمُکْرَمِینَ ( 24 ) إِذْ دَخَلُوا عَلَیْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْکَرُونَ ( 25 ) فَراغَ إِلی أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ
( سَمِینٍ ( 26 ) فَقَرَّبَهُ إِلَیْهِمْ قالَ أَ لا تَأْکُلُونَ ( 27 ) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَۀً قالُوا لا تَخَفْ وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِیمٍ ( 28
( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِی صَرَّةٍ فَصَکَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِیمٌ ( 29 ) قالُوا کَذلِکَ قالَ رَبُّکِ إِنَّهُ هُوَ الْحَکِیمُ الْعَلِیمُ ( 30
سبع آیات.
« حَدِیثُ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ الْمُکْرَمِینَ » یا محمد « هَلْ أَتاكَ » یقول اللَّه تعالی لنبیه صَلی اللَّهُ عَلیه و آله
__________________________________________________
113 / 1) تفسیر الطبري 26 )
ص: 387
قال الحسن: یعنی المکرمین عند اللَّه. و قیل: أکرمهم إبراهیم برفع مجالسهم فی الإکرام و الإعظام الذي یسر بالإحسان. و الإجلال هو
الإعظام بالإحسان، و کذلک یلزم إعظام اللَّه و إجلاله فی جمیع صفاته، و لا یجوز مثل ذلک فی الإکرام، و لکن اللَّه یکرم أنبیاءه و
المؤمنین علی طاعتهم.
لهم جواباً عن « ف قالَ » علی وجه التحیۀ له أي اسلم سلاماً « سَلاماً » له « فَقالُوا » یعنی حین دخلوا علی إبراهیم « إِذْ دَخَلُوا عَلَیْهِ » و قوله
أي أنتم قوم منکرون، و الإنکار بنفی صحۀ الأمن و نقیضه « قَوْمٌ مُنْکَرُونَ » و قرئ سلم، فلما ارتاب علیه السلام بهم قال « سَلامٌ » ذلک
الإقرار، و مثله الاعتراف. و إنما قال: منکرون، لأنه لم یکن یعرف مثلهم فی أضیافه، و سماهم اللَّه أضیافا، لأنهم جاءوه فی صفۀ
أي ذهب الیهم « فَراغَ إِلی أَهْلِهِ » أي سلام لنا. و قوله « قالَ سَلامٌ » الأضیاف و علی وجه مجیئهم. و معنی (سلاماً) أي اسلم سلاماً، و قوله
خفیاً، فالروغ الذهاب فی خفی، راغ یروغ روغاً و روغاناً، و راوغه مراوغۀ و رواغاً، و أراغه علی کذا إذا أراده علیه فی خفی أنفاً من
فالعجل واحد البقر الصغیر مأخوذ من تعجیل أمره بقرب میلاده، و سمی عجولا و جمعه عجاجیل. و « فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِینٍ » رده. و قوله
قال قتادة: کان عامۀ مال نبی اللَّه إبراهیم علیه السلام البقر. و السمین الکثیر الشحم علی اللحم، سمن یسمن سمناً، و سمنه تسمیناً و
أي أدناه لهم و قدمه بین أیدیهم و قال لهم: کلوه، فلما « فَقَرَّبَهُ إِلَیْهِمْ » اسمنه اسماناً و تسمن تسمناً، و نقیض السمن الهزال. و قوله
و فی الکلام حذف، لان تقدیره فقدمه الیهم فأمسکوا عن الاکل فقال ألا تأکلون « قالَ أَ لا تَأْکُلُونَ » رآهم لا یأکلون عرض علیهم ف
أي خاف منهم و ظن أنهم یریدون به سوء، فالایجاس الاحساس بالشیء خفیاً، أوجس « فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَۀً » فلما امتنعوا من الأکل
صفحۀ 193 من 296
یوجس إیجاساً و توجس توجساً. ص: 388
یا إبراهیم فانا رسل اللَّه و ملائکته أرسلنا اللَّه إلی « لا تَخَفْ » فقالت حینئذ له الملائکۀ «1» فَأَوْجَسَ فِی نَفْسِهِ خِیفَۀً مُوسی » و منه قوله
عند ذلک « وَ بَشَّرُوهُ » قوم لوط لنهلکهم. و قیل: إنهم دعوا اللَّه فأحیا العجل له فعلم إبراهیم عند ذلک انهم من الملائکۀ علیهم السلام
أي یکون عالماً إذا کبر و بلغ. قال مجاهد: المبشر به إسماعیل. و قال غیره: هو إسحاق، لأنه من سارة، و هذه القصۀ لها لا « بِغُلامٍ عَلِیمٍ »
یعنی فی صیحۀ- فی قول ابن عباس و مجاهد و سفیان- و قال مجاهد و سفیان « فأقبلت فی صرة » لهاجر، سمعت البشارة امرأته سارة
قال ابن عباس لطمت وجهها. و قال السدي: ضربت وجهها تعجباً، و هو قول مجاهد و سفیان، فالصک « فَ َ ص کَّتْ وَجْهَها » أیضاً فی رنۀ
فالتقدیر أنا عجوز عقیم کیف ألد؟! و العقیم الممتنعۀ من الولادة لکبر او آفۀ. و قال « وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِیمٌ » الضرب باعتماد شدید
الحسن: العقیم العاقر. و أصل العقیم الشدة مما جاء فی الحدیث (یعقم أصلاب المشرکین) أي یشد، فلا یستطیعون السجود، و داء
عقام إذا أعیا، اي اشتد حتی أیأس ان یبرأ، و معاقم الفرس مفاصله یشد بعضها إلی بعض، و العقم و العقمۀ ثیاب معلمۀ أي شدت بها
الاعلام، و عقمت المرأة، فهی معقومۀ و عقیم، و قالوا عقمت ایضاً و رجل عقیم مثل المرأة من قوم عقیمین و الریح العقیم التی لا
أي مثل ما « کَذلِکَ » تنشئ السحاب للمطر، و الملک عقیم یقطع الولاء لان الابن یقتل أباه علی الملک، فقالت الملائکۀ عند ذلک لها
بخفایا الأمور لا یخفی علیه خافیۀ و المعنی « الْعَلِیمُ » فی أفعاله « إِنَّهُ هُوَ الْحَکِیمُ » ما بشرناك به فلا تشک فیه « قالَ رَبُّکِ » بشرناك به
کما ان إخبارنا و بشارتنا لا شک فیه، کذلک قال اللَّه ما بشرناك به.
__________________________________________________
[.....] 1) سورة 20 طه آیۀ 67 )
ص: 389
قوله تعالی:[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 31 الی 37 ]..... ص: 389
قالَ فَما خَطْبُکُمْ أَیُّهَا الْمُرْسَلُونَ ( 31 ) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمٍ مُجْرِمِینَ ( 32 ) لِنُرْسِلَ عَلَیْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِینٍ ( 33 ) مُسَوَّمَۀً عِنْدَ رَبِّکَ
( لِلْمُسْرِفِینَ ( 34 ) فَأَخْرَجْنا مَنْ کانَ فِیها مِنَ الْمُؤْمِنِینَ ( 35
( فَما وَجَدْنا فِیها غَیْرَ بَیْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ ( 36 ) وَ تَرَکْنا فِیها آیَۀً لِلَّذِینَ یَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِیمَ ( 37
سبع آیات.
فَما خَطْبُکُمْ أَیُّهَا » لهم « قالَ » لما سمع إبراهیم علیه السلام بشري الملائکۀ له بالغلام العلیم، و علم أنهم لیسوا ببشر و لا أضیاف
أي ما شأنکم. و الخطب هو الأمر الجلیل، فکأنه قال قد بعثتم لأمر جلیل، فما هو؟ و منه الخطبۀ، لأنها کلام بلیغ لعقد أمر « الْمُرْسَلُونَ
جلیل تستفتح بالتحمید و التمجید. و الخطاب أجل من الإبلاغ.
لا یثنی و لا یجمع لأنه مبهم یقتضی البیان عنه ما بعده من غیر أن یلزم ما قبله، کما یلزم (الذي و هذا) کقولک مررت « أیها » و قوله
بالرجلین هذین، فتبعه فی تثنیته، کما تبعه فی اعرابه.
لِنُرْسِلَ عَلَیْهِمْ حِجارَةً مِنْ » عاصین للَّه کافرین لنعمه استحقوا العقاب و الهلاك « إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمٍ مُجْرِمِینَ » فأجابته الملائکۀ فقالوا
فالمسرف المکثر من المعاصی، و هو صفۀ ذم، لأنه خروج عن الحق. « طِینٍ مُسَوَّمَۀً عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُسْرِفِینَ
و نقیض الإسراف الإقتار، و هو التقصیر عن بلوغ الحق. و لیس فی الإکثار من طاعۀ اللَّه سرف، و لا فی نعمه إقتار، لأنه سائغ علی
مقتضی الحکمۀ، و إرسال الرسول إطلاقه بالأمر إلی المصیر إلی من أرسل الیه، فالملائکۀ أمروا بالمصیر إلی التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 9، ص: 390
قوم لوط لاهلاکهم و إرسال الحجارة إطلاقها. و لیست برسل و لکن مرسلۀ.
صفحۀ 194 من 296
و المسومۀ المعلمۀ بعلامات ظاهرة للحاسۀ، لان التسویم کالسیماء فی انه یرجع إلی العلامۀ الظاهرة من قولهم: علیه سیماء الخیر. و منه
و المجرم القاطع للواجب بالباطل، فهؤلاء أجرموا بقطع الایمان بالکفر. و « یُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ بِخَمْسَ ۀِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِکَ ۀِ مُسَوِّمِینَ » قوله
أصل الصفۀ القطع. و قال ابن عباس: التسویم نقطۀ فی الحجر الأسود بیضاء، او نقطۀ سوداء فی الحجر الأبیض. و قیل: کان علیها أمثال
أي أصلها الطین لا حجارة البرد التی أصلها الماء. « حِجارَةً مِنْ طِینٍ » الخواتیم و قوله
و المسومۀ هی المعلمۀ بعلامۀ یعرفها بها الملائکۀ أنها مما ینبغی أن یرمی بها الکفرة عند أمر اللَّه بذلک. و قیل: حجارة من طین کأنها
آجر- فی قول ابن عباس- و قال الحسن: مسومۀ بأنها من حجارة العذاب. و قیل: مسومۀ بأن جعل علی کل حجر اسم من یهلک به.
أي أخرجنا من کان فی قریۀ لوط من المؤمنین، نحو لوط و أهله و خلصناهم من العذاب و « فَأَخْرَجْنا مَنْ کانَ فِیها مِنَ الْمُؤْمِنِینَ » و قوله
یدل علی ان الإسلام هو الایمان و الایمان هو التصدیق بجمیع ما أوجب اللَّه « فَما وَجَدْنا فِیها غَیْرَ بَیْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ » الإهلاك. و قوله
التصدیق به. و الإسلام هو الاستسلام لوجوب عمل الفرض الذي أوجبه اللَّه و الزمه. و المسلم هو المخلص لعمل الفرض علی ما أمر
اللَّه به، لان صفۀ (مسلم) کصفۀ مؤمن فی انها مدح. و البیت الذي وجده فی تلک القریۀ من المؤمنین هم أتباع لوط و وجدان الضالۀ
هو إدراکها بعد طلبها، و وجدت الموجدة إدراك ما یوجب العتاب و الأئمۀ فی القلب، و وجدت المال أجده أدرکت ملکاً لی کثیراً،
و وجدت زیداً الصالح بمعنی علمته، و وجدت الضالۀ وجداناً. و البیت هو البناء المهیأ للایواء الیه و المبیت فیه. التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 9، ص: 391
فالترك فی الأصل ضد الفعل ینافی الأخذ فی محل القدرة علیه، و القدرة علیه قدرة علی الأخذ. و المعنی « وَ تَرَکْنا فِیها آیَۀً » و قوله
بمعنی لم ینفها مع انه قادر علی نفیها، و فلان ترك السوق أي قطعها «1» « وَ تَرَکَهُمْ فِی ظُلُماتٍ » فی الآیۀ أبقینا فیها آیۀ، و مثله قوله
بمنزلۀ ما فعل ضد ما تنافیه الآیۀ. و قیل: إن الآیۀ اقتلاع البلدان لا یقدر علیه إلا اللَّه « تَرَکْنا فِیها آیَۀً » بأن صار لا یمضی الیها. و معنی
إنما خص الخائفین من العذاب الألیم بالآیۀ لأنهم الذین یعتبرون بها و ینتفعون بها. « لِلَّذِینَ یَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِیمَ » تعالی و قوله
قوله تعالی:[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 38 الی 45 ]..... ص: 391
وَ فِی مُوسی إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلی فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِینٍ ( 38 ) فَتَوَلَّی بِرُکْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( 39 ) فَأَخَ ذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِی الْیَمِّ وَ
( هُوَ مُلِیمٌ ( 40 ) وَ فِی عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَیْهِمُ الرِّیحَ الْعَقِیمَ ( 41 ) ما تَذَرُ مِنْ شَیْءٍ أَتَتْ عَلَیْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ کَالرَّمِیمِ ( 42
وَ فِی ثَمُودَ إِذْ قِیلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَ تَّی حِینٍ ( 43 ) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَ ذَتْهُمُ الصَّاعِقَۀُ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ ( 44 ) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِیامٍ وَ ما
( کانُوا مُنْتَصِرِینَ ( 45
ثمان آیات.
فالصعقۀ مصدر صعق یصعق صعقاً و صعقۀ واحدة. و الصاعقۀ الاسم تقول: صاقعۀ و صاعقۀ ،« الصاعقۀ » الباقون « الصعقۀ » قرأ الکسائی
مقدماً و مؤخراً،
__________________________________________________
1) سورة 2 البقرة آیۀ 17 )
ص: 392
و صواعق و صواقع، و قیل: هما لغتان.
فکأنه قال: « وَ تَرَکْنا فِیها آیَۀً » وَ فِی مُوسی عطف علی قوله » قوله
قال ابن عباس و قتادة و مجاهد: معناه « فَتَوَلَّی بِرُکْنِهِ » و ترکنا فی موسی آیۀ حین أرسلناه إلی فرعون بسلطان مبین أي بحجۀ ظاهرة
بقوته. و قیل: معناه تولی بما کان یتقوي به من جنده و ملکه. و الرکن الجانب الذي یعتمد علیه. و المعنی ان فرعون أعرض عن حجۀ
صفحۀ 195 من 296
فالسحر حیلۀ توهم المعجزة بحال خفیۀ. و أصله خفاء « أَوْ مَجْنُونٌ » أي هو ساحر « وَ قالَ ساحِرٌ » موسی و لم ینظر فیها بقوته فی نفسه
الأمر فمنه السحر الوقت الذي یخفی فیه الشخص. و السحر الرئۀ لخفاء سببها فی الترویح عن القلب بها. و السحارة لخفاء السبب فی
تلون خیطها. و المجنون الذي أصابته جنۀ فذهب عقله. و قال الزجاج (او) هاهنا بمعنی الواو، و التقدیر ساحر و مجنون. و قال غیره: فی
ذلک دلالۀ علی عظم جهل فرعون، لان الساحر هو اللطیف الحیلۀ و ذلک ینافی صفۀ المجنون المختلط العقل، فکیف یوصف
« شخص واحد بهاتین الصفتین فقال اللَّه تعالی مخبراً عن نفسهَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ
« یعنی إنا نبذنا فرعون و جنودهِي الْیَمِّ
« أي طرحناه فی البحر کما یلقی الشیء فی البرَ هُوَ مُلِیمٌ
أي آت بما یلام علیه من الکفر و الجحود و العتو و التجبر و التکبر واحد. و الملوم الذي وقع به اللوم، و الملیم الذي أتی بما یلام
علیه.
عَلَیْهِمُ » أي أطلقنا « إِذْ أَرْسَلْنا » أي و ترکنا فی عاد أیضاً آیۀ أي دلالۀ فیها عظۀ « وَ تَرَکْنا فِیها » عطف ایضاً علی قوله « وَ فِی عادٍ » و قوله
و هی التی عقمت عن ان تأتی بخیر من تنشئۀ سحاب او تلقیح شجرة أو تذریۀ طعام او نفع حیوان، فهی کالممنوعۀ من « الرِّیحَ الْعَقِیمَ
الولادة. و جمع الریح أرواح و ریاح، و منه راح الرجل إلی منزله أي رجع کالریح، و الراحۀ قطع العمل المتعب. و قال ابن عباس:
ص: 393
الریح العقیم التی لا تلقح الشجر و لا تنشئ السحاب. و
روي عن النبی صَلی اللَّهُ عَلیه و آله أنه قال (نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور).
و هو السحیق الذي انتفی رمه بانتفاء « إِلَّا جَعَلَتْهُ کَالرَّمِیمِ » أي لم تترك هذه الریح شیئاً تمر علیه « ما تَذَرُ مِنْ شَیْءٍ أَتَتْ عَلَیْهِ » و قوله
ملاءمۀ بعضه لبعض، و أما رمه یرمه رماً فهو رام له و الشیء مرموم فهو المصلح بملاءمۀ بعضه لبعض، و هو اصل الرمیم الذي رمه
بنقصه. و قیل: الرمیم الذي دیس من یابس النبات.
و قیل: الرمیم العظم البالی المنسحق.
وَ تَرَکْنا فِیها آیَۀً... » أیضا عطف علی قوله « وَ فِی ثَمُودَ إِذْ قِیلَ لَهُمْ » و قوله
أي « قِیلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّی حِینٍ » و هم قوم صالح لما کفروا و جحدوا نبوة صالح و عقروا ناقۀ اللَّه و استحقوا الإهلاك « وَ فِی ثَمُودَ
أي « حَتَّی حِینٍ » انتفعوا فی اسباب اللذات من المناظر الحسنۀ و الروائح الطیبۀ و الأصوات السجیۀ و کل ما فیه منفعۀ علی هذه الصفۀ
فالعتو الامتناع عن « فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ » - إلی حین قدر اللَّه ابقاءکم الیه. و قیل: إلی حین آجالکم إن أطعتم اللَّه- فی قول الحسن
أي أرسل اللَّه الیهم الصاعقۀ التی أهلکتهم و « فَأَخَ ذَتْهُمُ الصَّاعِقَۀُ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ » الحق، و هو الجفاء عنه ترفعاً عن إتباع الداعی الیه
أي طالبین ناصراً یمنعهم من « وَ ما کانُوا مُنْتَصِ رِینَ » أي لم یقدروا علی النهوض به « فَمَ ا اسْتَطاعُوا مِنْ قِیامٍ » أحرقتهم و هم یبصرونها
بغیر الف. و قد بیناه. « الصعقۀ » عذاب اللَّه- عز و جل- و قرأ الکسائی
قوله تعالی:[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 46 الی 55 ]..... ص: 393
وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ ( 46 ) وَ السَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ ( 47 ) وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ( 48 ) وَ
( مِنْ کُلِّ شَیْءٍ خَلَقْنا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ ( 49 ) فَفِرُّوا إِلَی اللَّهِ إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ مُبِینٌ ( 50
وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ مُبِینٌ ( 51 ) کَ ذلِکَ ما أَتَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( 52 ) أَ
( تَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ ( 53 ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ( 54 ) وَ ذَکِّرْ فَإِنَّ الذِّکْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ ( 55
ص: 394
صفحۀ 196 من 296
عشر آیات.
و تقدیره و فی قوم نوح آیۀ. الباقون بالنصب علی تقدیر « و فی عاد » جرا عطفا علی قوله « و قوم نوح » قرأ ابو عمرو و حمزة و الکسائی
و أهلکنا قوم نوح، و یحتمل ان یکون علی تقدیر فأخذت صاعقۀ العذاب قوم نوح، إذ العرب تسمی کل عذاب مهلک صاعقۀ، الثالث
و القوم الجماعۀ الذین من شأنهم أن یقوموا بالأمر، و اضافتهم الیه «1» « وَ إِبْراهِیمَ الَّذِي وَفَّی » علی تقدیر: و اذکر قوم نوح، کقوله
خارجین من طاعۀ اللَّه- عز و « إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ » تقتضی انه منهم فی النسب. و لم یفرد ل (قوم) واحد. ثم بین لما أهلکهم فقال
جل- إلی الکفر باللَّه فاستحقوا لذلک الإهلاك.
وَ السَّماءَ » معناه بقوة- فی قول ابن عباس و مجاهد و قتادة و ابن زید- و الایدي القوة، و وجه اتصال قوله « وَ السَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ » و قوله
بما قبله « بَنَیْناها بِأَیْدٍ
__________________________________________________
1) سورة 53 النجم آیۀ 37 )
ص: 395
و هو ان فی قوم نوح آیۀ و فی السماء أیضاً آیۀ فهو متصل به فی المعنی.
قیل فی معناه ثلاثۀ أقوال: « وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ » و قوله
أحدها- قال الحسن: التوسعۀ فی الرزق بالمطر- الثانی- قال ابن زید: بقوة و إنا لموسعون السماء. الثالث- انا لقادرون علی الاتساع
بأکثر من اتساع السماء.
و الاتساع الإکثار من إذهاب الشیء فی الجهات بما یمکن أن یکون اکثر مما فی غیره یقال أوسع یوسع ایساعاً، فهو موسع. و اللَّه
تعالی قد أوسع السماء بما لا بناء أوسع منه و ایساع الرحمۀ هو الإکثار منها بما یعم.
فَنِعْمَ » و تقدیره و بنینا السماء بنیناها و فرشنا الأرض فرشناها أي بسطناها « وَ السَّماءَ بَنَیْناها » عطف علی قوله « وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها » و قوله
و الماهد الموطئ للشیء المهیء لما یصلح الاستقرار علیه، مهد یمهد مهداً، فهو ماهد و مهد تمهیداً، مثل وطأ توطئۀ. « الْماهِدُونَ
معناه خلقنا من کل شیء اثنین مثل اللیل و النهار، و الشمس و القمر و الأرض و السماء، و الجن « وَ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ خَلَقْنا زَوْجَیْنِ » و قوله
الذکر و الأنثی. و فی ذلک تذکیر بالعبرة فی تصریف الخلق و « خَلَقْنا زَوْجَیْنِ » و الانس- فی قول الحسن و مجاهد- و قال ابن زید
معناه لتتذکروا و تفکروا فیه و تعتبروا به. « لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ » النعمۀ فی المنفعۀ و المصلحۀ
أي فاهربوا الی اللَّه من عقابه الی رحمته بإخلاص العبادة له. و قیل: معناه ففروا الی اللَّه بترك جمیع ما یشغلکم « فَفِرُّوا إِلَی اللَّهِ » و قوله
عما أوجب علیکم من طاعته. « مبین » مخوف من عقابه « إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ » عن طاعته و یقطعکم عما أمرکم به
أي لا تعبدوا معه معبوداً ص: 396 « وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ » ثم نهاهم فقال
أي من اللَّه مخوف من عقابه مظهر ما أوجب علیکم و أمرکم به. و قیل: الوجه فی « إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ مُبِینٌ » آخر من الأصنام و الأوثان
تکرار (إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ مُبِینٌ) هو ان الثانی منعقد بغیر ما انعقد به الاول إذ تقدیره انی لکم منه نذیر مبین فی الامتناع من جعل اله
آخر معه، و تقدیر الاول انی لکم منه نذیر مبین فی ترك الفرار الیه بطاعته فهو کقولک: أنذرك أن تکفر باللَّه أنذرك ان تتعرض
لسخط اللَّه، و یجوز أن یقول اللَّه و لا تجعلوا مع اللَّه قدیماً آخر، کما قال (وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً) لان جعلهم ذلک باعتقادهم إلهاً
معه او اظهارهم انه مذهب لهم. و لا یجوز ان یقول: لا تکونوا قدماء مع اللَّه لأنه نهی عما لا یمکن، و هو محال، و کذلک لا یجوز ان
یقول لا تصیروا قدماء و لا آلهۀ، لأنه محال.
و النذیر هو المخبر بما یحذر منه و یصرف عنه و هو یقتضی المبالغۀ. و المنذر صفۀ جاریۀ علی الفعل تقول: انذر ینذر إنذاراً، فهو
منذر، و نذره أي علم به و استعد له و المبین الذي یأتی ببیان الحق من الباطل.
صفحۀ 197 من 296
ثم قال مثل ما أوتی هؤلاء الکفار نبی فکذبوه (کَ ذلِکَ ما أَتَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم (رَسُولٍ إِلَّا قالُوا) هو (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)
فالساحر هو الذي یحتال بالحیل اللطیفۀ. و المجنون الذي به جنون. و إنما قال الجهال ذلک فی الرسل لان الاقدام عندهم علی إنکار
عبادة الأوثان لا یکفی فیه الشبهۀ دون الجنۀ، فالمجنون المغطی علی عقله بما لا یتوجه للإدراك به، فکذلک شبه حال قریش فی
التکذیب بحال الأمم حتی قالوا: ساحر او مجنون. و إنما جاز منهم الاتفاق علی تکذیب الرسل من غیر تواص و لا تلاق، لان الشبهۀ
الداعیۀ الیه واحدة.
و قوله (أ تواصوا) فالتواصی هو إیصاء بعض القوم إلی بعض بوصیۀ، و الوصیۀ التقدمۀ فی الأمر بالأشیاء المهمۀ مع النهی عن
المخالفۀ، کالوصیۀ بقضاء الدین ورد ص: 397
الودیعۀ و الحج و الصدقۀ و غیر ذلک، فکأن هؤلاء الجهال قد تواصوا بعبادة الأوثان بما هم علیه من الملازمۀ و شدة المحافظۀ و
صورة الکلام صورة الاستفهام و المراد به الإنکار و التوبیخ.
و قوله (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) معناه لم یتواصوا بذلک لکنهم طاغون طغوا فی معصیۀ اللَّه و خرجوا عن الحد.
ثم قال للنبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله (فتول عنهم) أي اعرض عنهم یا محمد- فی قول مجاهد- (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) فی کفرهم و جحودهم
بل اللائمۀ و الذم علیهم من حیث لا یقبلون ما تدعوهم الیه، و لیس المراد أعرض عن تذکیرهم و وعظهم، و إنما أراد أعرض عن
مکافأتهم و مقابلتهم و مباراتهم و ما أنت فی ذلک بملوم (و ذکر) بالموعظۀ (فَإِنَّ الذِّکْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ) الذین یتعظون بمواعظ اللَّه
و یستدلون بآیاته. قال حسین بن صمصم.
«1» أما بنو عبس فان هجینهم ولی فوارسه و أفلت أعورا
قوله تعالی:[سورة الذاریات ( 51 ): الآیات 56 الی 60 ]..... ص: 397
( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ ( 56 ) ما أُرِیدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِیدُ أَنْ یُطْعِمُونِ ( 57 ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِینُ ( 58
( فَإِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا یَسْتَعْجِلُونِ ( 59 ) فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ یَوْمِهِمُ الَّذِي یُوعَدُونَ ( 60
خمس آیات.
__________________________________________________
228 / 1) مجاز القرآن 2 )
ص: 398
هذا اخبار من اللَّه تعالی أنه لم یخلق الجن و الأنس إلا لعبادته، فإذا عبدوه استحقوا الثواب، و اللام لام الغرض و لا یجوز أن یکون
لام العاقبۀ لحصول العلم بأن کثیراً من الخلق لا یعبدون اللَّه. و فی الآیۀ دلالۀ علی بطلان مذهب المجبرة القائلین: بأن اللَّه خلق کثیراً
من خلقه للکفر به و الضلال عن دینه و خلقهم لیعاقبهم بالنیران، لأنه لا یجوز أن یکون فی کلام اللَّه تعالی تناقض، و لا إختلاف و
قد بینا فی ما مضی أن اللام لام العاقبۀ. و المعنی إنه خلق الخلق کلهم لعبادته و تصیر عاقبۀ کثیر منهم «1» ( قوله (وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ
إلی جهنم بسوء اختیارهم من الکفر باللَّه و ارتکاب معاصیه.
فان قیل: ألیس قد خلق اللَّه کثیراً من خلقه لطفاً لغیرهم، فکیف یکون خلقهم لعبادته؟!.
قلنا: ما خلقه اللَّه تعالی علی ضربین: مکلف، و غیر مکلف، فما لیس بمکلف خلقه للطف المکلفین، جماداً کان او حیواناً. و ما هو
مکلف خلقه لعبادته و إن کان فی خلقه أیضاً لطف للغیر، و کأنه یکون خلقه للأمرین و یکون بمنزلۀ ما خلقته إلا لیعبد مع عبادة غیره
لأن عبادة غیره مما هو غرض فی خلقه، و لولا ذلک لم یکن فی خلق النبی علیه لطف لغیره، فالتقدیر ما خلقته إلا لعبادته مع عبادة
غیره به، و هو بمنزلۀ قول القائل ما أدبت ولدي إلا لیصلح جمیعهم أي بتأدیبی له مع تأدیب غیره الذي یدعوه إلی خلافه، و لیس
صفحۀ 198 من 296
المعنی ما خلقت کل مکلف إلا لیعبد هو فقط.
و فی الآیۀ دلالۀ علی انه تعالی لا یرید المباح، لأنه لیس من العبادة.
و قوله (ما أُرِیدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِیدُ أَنْ یُطْعِمُونِ) معناه نفی الإبهام عن خلقهم لعبادته ان یکون ذلک لفائدة تقع و تعود علیه
تعالی، فبین انه لفائدة
__________________________________________________
1) سورة 7 الاعراف آیۀ 178 )
ص: 399
النفع العائد علی الخلق دونه تعالی لاستحالۀ النفع علیه و دفع المضار، لأنه غنی بنفسه لا یحتاج إلی غیره، و کل الناس محتاجون الیه. و
من زعم ان التأویل ما أرید ان یرزقوا عبادي و لا أن یطعموهم، فقد ترك الظاهر من غیر ضرورة. و قال ابن عباس: معنی (وَ ما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ) الا لیتقربوا لی بالعبودیۀ طوعاً و کرهاً.
ثم بین تعالی انه- جل و عز- هو الرازق لعباده فقال (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) و الخلق لا یرزقونه (ذو القوة) صاحب القدرة (المتین) و معناه
انه القوي الذي یستحیل علیه العجز و الضعف، لأنه لیس بقادر بقدرة، بل هو قادر لنفسه، و لأنه لیس بجسم، و الجسم هو الذي یلحقه
ضعف. و من خفض (المتین)- و هو یحیی ابن وثاب- جعله صفۀ للقوة، و ذکره لأنه ذهب الی الحبل و الشیء المفتون یرید القوة،
قال الشاعر:
«1» لکل دهر قد لبست أثوبا من ریطۀ و الیمنیۀ المعصبا
فذکر لان الیمنیۀ ضرب من الثیاب و صنف منها، و من فسر (المتین) بالشدید فقد غلط، لان الشدید هو الملتف بما یصعب معه
تفکیکه. و وصف القوة بأنها أشد یؤذن بالمجاز، و انه بمعنی أعظم.
ثم اخبر تعالی بأن (للذین ظلموا) نفوسهم بارتکاب المعاصی (ذنوباً) أي نصیباً و أصله الدّلو الممتلئ ماء، کما قال الراجز:
«2» لنا ذنوب و لکم ذنوب فان أبیتم فلنا القلیب
و قال علقمۀ:
__________________________________________________
57 / 1) اللسان (ثوب) و تفسیر القرطبی 17 )
405 / 2) مر فی 2 )
ص: 400
«1» و فی کل حی قد خبطت بنعمۀ فحق لشاس من نداك ذنوب
أي نصیب، و إنما قیل الدّلو: ذنوب، لأنها فی طرف الحبل، کأنها فی الذنب. و قیل: معناه لهم بلاء و ویل. و الذنوب الدلو العظیمۀ
یؤنث و یذکر، و قوله (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي مثل نصیب أصحابهم من الکفار الذین تقدموهم (فلا یستعجلون) قل لهم لا
تستعجلون بانزال العذاب علیهم، فإنهم لا یفوتون.
ثم قال (فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا) وحدانیتی و جحدوا نبوة رسولی (مِنْ یَوْمِهِمُ الَّذِي یُوعَدُونَ) فیه بانزال العذاب بالعصاة و هو یوم القیامۀ، و
الویل کلمۀ تقولها العرب لکل من وقع فی مهلکۀ.
__________________________________________________
57 / 1) تفسیر القرطبی 17 )
ص: 401
صفحۀ 199 من 296
-52 سورة الطور